شهر من العدوان الاسرائيلي على مدينة ومخيم جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم وسط اعتقالات وتدمير واسع للبنية التحتية    الرئيس يصدر قرارا بتعيين رائد أبو الحمص رئيسا لهيئة شؤون الاسرى والمحررين    معتقل من يعبد يدخل عامه الـ23 في سجون الاحتلال    تشييع جثمان الشهيدة سندس شلبي من مخيم نور شمس    قوات الاحتلال تفجر منزل الشهيد نضال العامر بمخيم جنين    مجلس الوزراء يبحث توسيع تدخلات غرفة العمليات الحكومية في الإغاثة والإيواء    فتوح يُطلع السفير المصري على آخر التطورات وسبل تقديم الدعم إلى شعبنا في قطاع غزة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 48,219 والإصابات إلى 111,665 منذ بدء العدوان    "الجدار والاستيطان": الاحتلال يشرع ببناء مستعمرة على أراضي بيت لحم ويخصص 16 ألف دونم للاستعمار الرعوي    الاحتلال يهدم منزلا في دير إبزيع غرب رام الله    الاحتلال يواصل عدوانه لليوم الـ22 على جنين ومخيمها: تدمير واسع في البنية التحتية والممتلكات    16 يوما من عدوان الاحتلال على طولكرم ومخيميها: تدمير البنية التحتية واعتقالات ونزوح جماعي قسري    الرئيس يستجيب لاحتياجات العائلات الفلسطينية التي تحتاج للدعم والتمكين ويجري تعديلات قانونية على منظومة الرعاية الاجتماعية    تواصل ردود الأفعال الدولية المنددة بتصريحات ترمب بشأن السيطرة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين  

تواصل ردود الأفعال الدولية المنددة بتصريحات ترمب بشأن السيطرة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين

الآن

زوار الفجر ... حنان باكير

طرقات الباب العنيفة بعد منتصف الليل، كانت تخيف الطفلة التي كنتها ذات حين. لكني اعتدتها مع الوقت، حين صارت جزءا من روتين شبه يومي. كان ذلك خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. زوار الفجر يداهمون بيوت الشباب الفلسطيني، والامهات يداهمن بيتنا. أما لماذا أبي كان هدفهن.. فإن مقهى القسيس، هو السبب! 
مقهى القسيس، الذي لم يعرف الا باسم "قهوة العكاكوي"، ولا يبعد اكثر من مئتي متر عن مخيم برج البراجنة. وبعد أن تحوّل الى وطن صغير، يستعيض به رواده عن وطنهم الضائع. صار ايضا وكرا، لزوار الفجر، من الاجهزة الأمنية. وكان أن نشأت بينهم وبين أبي صداقة، خولته التوسط للشباب الذين يتم توقيفهم، أو الذين تحتجز وثائق سفرهم المغضوب عليها! ولم ينج أخي الكبير من المداهمات والاعتقال! يقولون لأبي: صار لازمو فركة أذن! فيجيب أبي: هذا ابنكم!! 
مع بدايات الفجر وقبل زوال العتمة، يحضر الزوار.. يطرقون الابواب، تسارع الأمهات الى فتح الباب. يسألون عن الابن المطلوب. يجدونه نائما.. بصمت ينبشون البيت، لا ينجو من نبشهم شبر واحد، وهذا ما كان يحدث معنا، بسبب أخي المشاغب.. لم يكن حينها البحث عن أسلحة أو متفجرات.. فالسلاح المطلوب، هو الأخطر من كل ذلك! البيانات الحزبية والكتب الممنوعة!
المنشورات اقتصر دورها على التذكير وإحياء المناسبات المشؤومة، وما اكثرها في تاريخنا الحزين.. ذكرى وعد بلفور، ذكرى تقسيم فلسطين، يوم النكبة.. والقائمة تطول! لكنها تعتبر مسّا بالامن الوطني. الكتب الممنوعة هي كتب مؤسسي الاحزاب القومية، من حزب البعث الى حركة القوميين العرب والحزب الشيوعي. 
ما إن يغادر الزوار البيوت مصطحبين الشباب، حتى تهرع الامهات يطرقن باب بيتنا بقوة ولهفة.. إلحقنا يا ابو زهير.. إجو أخدوا الولد! يلطمن على وجوههن، ويطرقن بقوة على صدورهن.. "يا ميمتي أنا شو راح يعملوا فيهن"!! وأنا أرقب بصمت.. يسأل أبي ان وجدوا شيئا في البيت، حتى يعرف كيف يتصرف! يهدىء روعهن، وأن الصباح رباح!! وقبل أن يغادر البيت، تحضر النسوة، فتستقبلهن أمي بفنجان القهوة.
حضرت جميع المداهمات التي استهدفت أخي الكبير. ذات فجر، قاربت الساعة الثانية صباحا. حضر الزوار الى بيتنا، قبل حضور أخي. عادة لا يفتشون البيت الا بوجود المطلوب. إنتشر الزوار في كل مكان على البلكونة، وفي غرفة الدرج وعند مدخل البناية.. استغليت الفرصة، وأخذت الكتابين وبعض المنشورات، التي رأيت أخي يخفيهم عن أعين والديه. مددتهم تحت فرشة سريري وتظاهرت بالنوم.
لم يجدوا شيئا تلك الليلة. لكن أخي سيق الى قدره.. حين أطلق سراحه بعد اسبوع، قال لي: شكرا لانقاذ الممنوعات، لكن كيف عرفت بهم! وكان مثل كل الشباب يخرج من التوقيف حليق الشعر "عالقرعة".. فكل شاب نرى قرعته تلمع، نعرف انه كان ضيفا على "بيت خالته"، وهو الاسم الحركي للمعتقل.
بعض أساتذتنا كانوا يتغيبون لبضعة أيام او اسبوع، ثم يعودون "قرعانا".. وحين يتأخر استاذ، يصرخ الطلاب، أكيد هو الآن في بيت خالته، والاستاذ الذي لا يحبونه، يدعون عليه بتسليط المكتب الثاني "المخابرات" عليه، وكذلك حين لا ينجز أحد فروضه المطلوبة!
ذات يوم جاء "العازوري"، الى بيتنا. وهو الأشد إثارة للرعب لدى الجميع. لضخامته ولتجهم وجهه. طلبني ليقول لأبي: بنتك بلشت بطريق الانحراف، انتبه لها من اخيها!.

 

kh

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025