الشرطة تغلق بالجملة ملفات إطلاق النار على الفلسطينيين
هآرتس– شارون فلوبر
في ذروة موجة عمليات الطعن، وصل مصطفى الخطيب، ابن الـ 17 إلى باب الأسباط في القدس. حسب الشرطة، امتشق سكينا وحاول طعن شرطي حرس الحدود الذي كان في المكان. وكان الشرطي يرتدي سترة واقية وبقي بلا أذى، أما الخطيب فقتل إثر إطلاق النار عليه. في عائلة الخطيب لم يسارعوا إلى قبول رواية الشرطة عن الحدث وتوجهوا إلى وحدة التحقيقات مع الشرطة (ماحش) للتأكد من أن إطلاق النار تم بالفعل حسب الأنظمة المتبعة.
كقاعدة، في كل حالة يطلق فيها شرطي النار تنتهي بالموت، تفحص "ماحش" ملابسات الحدث وإذا كانت استوجبت هذه النتيجة الفتاكة. مرت أربعة أشهر إلى أن جاء جواب "ماحش" أخيراً في شهر آذار. "في ضوء فحص المادة التي وصلت إلينا والمتعلقة بالحدث المطروح، توصلنا إلى الاستنتاج بأنه لم تتوفر بنية تحتية من الأدلة التي تفيد بارتكاب مخالفة جنائية من أي من أفراد الشرطة في الحدث".
غير أنه يتعين هنا التوقف عند "فحص المادة". فمراجعة لملف التحقيق تظهر أن "ماحش" لم تحقق على الإطلاق بل ولم تستوجب أفراد الشرطة الذين كانوا مشاركين في الحدث. عملياً، اكتفت بتقرير العمل الذي كتبوه بعد الحدث وباستجواب داخلي أجرته الشرطة لثلاثة من أفرادها. ولكن الأخطر من هذا، كما يتبين، بأن تقرير العمل إياه– الذي كان الوحيد الذي ظهر في ملف التحقيق المرسل إلى محامي العائلة– لم يتعلق على الإطلاق بالحدث الذي قتل فيه الخطيب، بل بحدث آخر وقع قبل يومين من ذلك.
شريط كاميرا الحراسة الذي وثق الحادثة ووصل إلى "هآرتس" يبين كيف أن الخطيب يدفع الشرطي ويشرع بالفرار من حلقة أفراد الشرطة– وعندها فقط تطلق النار عليه في ظهره. ولكن محققي الوحدة لم يجلبوا إفادات من المارة الذين كانوا في المكان. وبعد أن عارضت الشرطة تنفيذ تشريح جنائي لجثة الخطيب، أجري تشريح ذاتي في معهد الطب الشرعي في جامعة القدس في أبو ديس بمبادرة محامي أبناء عائلة الخطيب، بتكليف من مركز "عدالة" ومنظمة "الضمير". وتنسجم نتائج هذا التشريح مع الشريط: فإطلاق النار الذي أدى إلى موت الخطيب، كان موجهاً نحو القسم العلوي من جسده، وبالأساس لظهره.
"يبين ملف الأدلة بأنه توجد قصورات عديدة في التحقيق في هذه الحالة وأسئلة عديدة في الملف"، يقول المحامي فادي خوري الذي مثل عائلة الخطيب. "رغم ذلك، لم تنفذ وحدة التحقيقات "ماحش" أي عمل ذاتي واستندت إلى استنتاجات الشرطة بشكل مطلق، وإن كان يتبين بوضوح من التوثيق الجبهوي لإطلاق النار بأنه كان بخلاف تعليمات فتح النار". وادعوا في "ماحش" بأن إطلاق النار كان لازماً لتحييد الخطر وأنه يحتمل أن يكون تقرير العمل المغلوط جزء من سجل يوميات العمليات الذي أخذ كجزء من الفحص.
القصورات في ملف الخطيب ليست حالة وحيدة. ففي الأشهر التي مرت منذ بدأت موجة "الإرهاب" رفعت سلسلة من الطلبات إلى "ماحش" لفحص إجراءات إطلاق النار على "المخربين"، ولكن يتبين أنه باستثناء حالة واحدة، أغلقت الملفات من دون التحقيق مع الشرطة في وحدة "ماحش" أو جباية إفادات. وكانت إحدى الحالات وقعت بعد يومين فقط من ذاك الحدث في باب الأسباط. في هذه الحالة طعنت امرأة ابنة 72 في المحطة المركزية في القدس. وقام أفراد من الشرطة وصلوا إلى المكان بإطلاق النار فقتلوا المشبوه، أحمد أبو شعبان، ابن 22، قرب المحطة. وفي شريط قصير وثق الحدث بدا شرطي يطلق النار عليه وهو ملقى على الأرض.
وكان جواب "ماحش" على شكوى العائلة مشابهاً للجواب الذي تلقته عائلة الخطيب. وعندما استأنفت العائلة على إغلاق الملف قيل لها في جواب مفاجئ: "لا توجد مادة في ملفنا غير الشكوى التي وصلتنا من منظمة مركز "عدالة". وشرحت "ماحش" لـ "هآرتس" جوابها هذا قائلة إنه يبدو أن ليست كل المواد صورت ولكن القرار الذي اتخذ استند إلى شهادات مباشرة وغير مباشرة حول الحدث، كانت الشرطة جبتها وليس من المحققين في الوحدة.
ويقول البروفيسور مردخاي كرمنتسار: "أعتقد بأن الطريق الوحيد لاكتشاف أن أفراد الشرطة عملوا بشكل غير قانوني هو من خلال الاستجوابات الشرطية الداخلية. وعند الامتناع عن التحقيق مع الشهود وجمع الأدلة فإن هذا يضمن، مسبقا،ً إغلاق الملفات وعدم ظهور أي حالة شاذة أبداً".
تعليمات إطلاق النار
مسألة تطرحها هذه الحالات هي تعليمات فتح النار لدى الشرطة. فهذه تقضي بأن على الشرطي أن يعطي تحذيراً مسبقا عن نيته فتح النار، وعلى الرصاصة الأولى أن تكون في الهواء. ويرد هناك بأنه "يمكن التخلي عن التحذير المسبق عندما يكون متوقعاً خطراً حقيقياً فورياً على حياة أو سلامة جسد الشرطي أو أي شخص آخر"، كما تشدد التعليمات بأن "واجب على الشرطي أن يستخدم أداة اطلاق النار بحذر أقصى، بشكل يتسبب بإصابة طفيفة، قدر الإمكان، على سلامة الجسد أو الممتلكات".
حالة أخرى هي ما حدث مع محمد أبو خلف. فقد قررت "ماحش" إغلاق النار ضد شرطة حرس الحدود الذين وثق إطلاقهم للنار عليه وهو مستلق على الأرض. فطاقم "الجزيرة" صور كيف أطلق أفراد الشرطة النار على أبو خلف بعد أن طعن اثنين منهم وأصابهما بجراح خطيرة، وكيف أن هؤلاء واصلوا إطلاق النار عليه حتى بعد أن كان ملقى على الأرض.
وقدمت "ماحش" جواباً على كتاب محامي أبو خلف فقالت إنه "في ضوء المادة المجمعة يتبين أن هذا كان رداً عملياتياً غريزياً من شرطة حرس الحدود على هجوم مفاجئ من شخص مسلح بسكين طعن أحد رفاقهم في رأسه وكذا طعن شرطياً هرع لمساعدته فأصابه بيده". ولكن مع أنه لم يتم التحقيق أو الاستجواب لأي من أفراد الشرطة المشاركين في وحدة "ماحش" بل فقط لدى الشرطة أضافت "ماحش" بأنه "لم يوجد في مادة الأدلة وفي الشهادات اشتباه معقول لارتكاب مخالفة جنائية من قبل أي من أفراد الشرطة".
وفي حالة مقتل معتز عويسات، ابن الـ 16 عاماً، الذي أطلقت النار عليه بعد أن حاول تنفيذ عملية طعن في حي أرمون هنتسيف في القدس، لم يصل أي من أفراد الشرطة إلى غرف التحقيق في ماحش التي تقول إن الملف أغلق لانعدام وجود جريمة، لأنه "يتبين بوضوح بأن النار كانت لازمة لإحباط محاولة طعن متكررة وحقيقية".
إن سلوك "ماحش" بالنسبة لطلبات الفحص عندما يكون الحديث عن إطلاق نار على "مخربين" إشكالي. فبالنسبة لأربع شكاوى عن اعتداء من الشرطة رفعها فلسطينيون جاء جواب "ماحش" الملفات أغلقت. والذريعة واحدة في كل الحالات: "بعد فحص الشكوى والدراسة المتمعنة لجملة الملابسات ذات الصلة، توصلنا إلى الاستنتاج بأن ملابسات القضية لا تبرر فتح تحقيق جنائي".
وعقبت وحدة "ماحش" على التقرير بأن "موجة الإرهاب التي ألمت بالدولة مؤخراً تضمنت العديد من الأحداث التي استخدمت فيها القوة من أفراد الشرطة ممن وجدوا أنفسهم في ساحة عملية أمام من خرجوا إلى شوارع المدينة مزودين بسلاح بارد وأبدوا نية لقتل مواطنين إسرائيليين على خلفية قومية. وفي حالات عديدة لم يكن مطلق النار مقاتلاً مدرباً بل واحداً يصطدم لأول مرة بحدث متطرف ويرد بشكل غريزي".
وتقول أوساط "ماحش" إن هذه الأحداث ألزمتها "بأن تحفظ بعناية التوازن الحساس بين متطلبات القانون والحاجة الحيوية للدفاع عن حياة الإنسان بصفته هذه وبين واجب السماح لمقاتلي الشرطة بالدفاع بشكل ناجع عن حياة الجمهور... في ظل الاعتراف بأن الشرطي الذي يعلق في حدث عملية، يشغل فكره ويتخذ قراره في غضون ثوان قليلة. معظم الحالات انتهت بنتائج تنفيذ الاشتباه بالعمل الجنائي بموجب قواعد الدفاع عن النفس التي ترد في القانون وفي القضاء".
وهنا خمسة حالات لفلسطينيين أطلقت الشرطة النار عليهم فقتلتهم وعملياً أغلقت الملفات:
*4/10/2015 - فادي علون ابن الـ 19 عاماً
- طعن فتى ابن الـ 15 عاماً وأطلقت النار عليه وهو يسير على سكة القطار، بعيداً عن الناس.
- "ماحش" لم تفتح تحقيقاً جنائياً.
- التفسير الذي أعطته هو أن النار تمت نحو مركز جسده "من أجل تحييده".
* 12/10/2015 - مصطفى الخطيب ابن الـ 17 عاماً
- حاول طعن أفراد من الشرطة وأطلقت النار على ظهره وهو يبتعد عن المكان.
- الفحص استند إلى تقرير العمل عن حدث آخر.
- الملف أغلق دون أن يعطي أفراد الشرطة الذين أطلقوا النار إفادة في "ماحش".
* 14/10/2015 - أحمد ابو شعبان ابن الـ 22 عاماً
- طعن امرأة في القدس وأطلقت النار عليه بينما كان مستلقياً على الرصيف.
- الشرطي الذي أطلق النار لم يحقق معه أو يستجوب من قبل وحدة التحقيقات "ماحش".
- "ماحش" أغلقت الملف وبلغت العائلة بأن الملف فارغ.
*23/11/2015 - فلسطينيتان ابنتا الـ 14 و الـ 16 عاماً
- طعنتا أحد المارة بمقص وأطلق النار عليهما خبير متفجرات من الشرطة.
- أجري تحقيق مع الشرطي بتعليمات من فينشتاين ونيتسان، بخلاف موقف "ماحش".
- بعد مرور ثمانية أشهر، لم يتخذ قرار في الملف.
* 9/3/2016 - بشار مصالحة ابن الـ 22 عاماً
- طعن 12 شخصاً في يافا وأطلق شرطي النار عليه.
- متطوع في الشرطة أطلق النار عليه بينما كان مستلقياً على الأرض.
- بعد أربعة أشهر لم تقرر "ماحش" إذا كانت ستحقق مع المتطوع.