حرائق الصيف والشتاء- عطاف يوسف
في الصيف تشتعل الحرائق في الأحراش والغابات، وفي حقول القمح والأعشاب الجافة، وتكون خسائرها كبيرة على صعيد الثروة، سواء أكانت قمحاً أم اشجار زيتون وغيرها، لكنها تظل بسيطة إذا ما خلت الخسائر من الضحايا البشرية، وينطبق عليها القول الشهير: "في المال ولا في العيال". أما حرائق الشتاء، فهي تثير الغضب والحزن في نفس الوقت، الغضب كونها كان من الممكن تفاديها بقليل من الانتباه وتحمل المسؤولية، والحزن كون ضحاياها في الغالب يكونون من الأطفال والنساء.
قبل أسابيع فجعت فلسطين بموت خمسة أطفال في حريق شب في منزلهم نتيجة انقطاع الكهرباء وايقاد الشموع، وقبل أيام توفيت امرأة شابة تبلغ من العمر 28 عاماً في قرية كفر نعمة، نتيجة حريق شب في منزلها.
الغريب في الأمر أن يتم تحميل المسؤولية عن الاهمال للمرأة، سواء كانت أماً أو زوجة، ولا أحد يوجه اللوم للرجال، آباءً كانو أم أزواجاً.
قليلة هي المرات التي أصطحب معي في سيارتي أحداً، وخاصة صباحاً أثناء قدومي للعمل لسببين، الأول أنني دوماً أكون متأخرة، والثاني، أنني أفضل سلوك طريق عين مصباح ولا أحب دخول المنارة بسبب الازدحام.
قيل يومين كانت هناك امرأة تنتظر في وسط البلدة، وكان من الواضح أنها متأخرة عن عملها فطلبت مني أن أقلها ففعلت.
بدأت تشرح لي سبب تأخرها، الذي عزته لمرض ألم بابنها البالغ من العمر 10 سنوات، مما منعها من النوم تلك الليلة، وأنا أعلم أنها امرأة تربي ابنها وحدها، بعد أن تخلى أبوه عنه. وضعها المادي سيء جداً، وما تجنيه من عملها يذهب ثلثاه لأجرة البيت والمواصلات، من القرية حيث تسكن، إلى رام الله حيث مكان عملها. أما الثلث الباقي، فعليها أن تصرف منه على نفسها وعلى ابنها كذلك رغم قلته، لا قانون ولا أجهزة أمنية، استطاعت أن تلزم والد الطفل بدفع نفقتها كزوجة بعد الطلاق، ولا نفقة الابن.
استمرت في الحديث، فعرجت على حوادث الحريق التي حصلت، وراح ضحيتها خمسة أطفال، وقالت إنها سمعت الناس في السيارة العمومي يتحدثون عن الحادث، واضعين اللوم على الأم التي لم تتفقد الشموع المشتعلة قبل أن تنام، وكأنها هي المسؤولة عن الحريق، كنت أنا قد سمعت مثل هذا اللوم للأم، وكأنه لا تكفيها فجيعتها بموت خمسة من أبنائها، لا أحد لام الأب، الذي من المفروض حسب عاداتنا أن يكون راعي الأسرة، على أنه لم يتفقد أبناءه والشموع المشتعلة.
الأكثر فجيعة كان ما سمعته عن موت المرأة في الحريق الذي شب في منزلها في كفر نعمة، ويقال أنه نتج أيضاً عن شمعة محترقة، سمعت الخبر المقتضب من إذاعة فلسطين، الذي لم يشر من قريب أو بعيد لسبب اندلاع الحريق، ولا عن ظروف الحادث، لكن سرعان ما بدأت الألسن تثير الأقاويل عن تلك المرأة، أنها كانت على علاقة مع رجل آخر، وأنها ربما تكون قد أحرقت نفسها، أو أن هناك من قام بحرقها.
رغم أننا نصف أنفسنا دوماً بأننا شعب متدين، ورغم أن الدين يقول: "إن بعض الظن إثم"، ورغم أن الدين يدعو لعدم "قذف المحصنات الغافلات" وعدم النميمة، وينهى عن الثرثرة. إلا أننا من الواضح بعيدون عن كل ذلك أشد البعد.
هذه القصص تذكرني بتلك الفتاة التي قتلها أخوها في إحدى مدننا، لأنه رآها عائدة من المدرسة ووجهها شاحب أثناء ساعات الدوام، وأن أحدى المعلمات قد اصطحبتها إلى المستشفى، بعد أن أغمي عليها أثناء الحصة، وأن المستشفى قام بإجراء بعض الفحوصات لها، وعليه أن يذهب إلى المستشفى في اليوم التالي لجلب نتائج الفحوصات.
قتلها ولم ينتظر النتائج، لأن عقله المريض أوحى له أن أخته حاملاً، لكن النتائج أثبتت أنها كانت تعاني من فقر شديد في الدم.
لهذا كله، فإن المرأة عندما تقتل تحت عنوان "غسل العار" أو "الدفاع عن الشرف"، أو حتى عندما تموت انتحاراً أو حادث حريق، فإنها تموت مرتين، مرة بسبب الحادث، ومرة أخرى بسبب تحميلها المسؤولية عن موتها أو عن موت أبنائها.
قبل أسابيع فجعت فلسطين بموت خمسة أطفال في حريق شب في منزلهم نتيجة انقطاع الكهرباء وايقاد الشموع، وقبل أيام توفيت امرأة شابة تبلغ من العمر 28 عاماً في قرية كفر نعمة، نتيجة حريق شب في منزلها.
الغريب في الأمر أن يتم تحميل المسؤولية عن الاهمال للمرأة، سواء كانت أماً أو زوجة، ولا أحد يوجه اللوم للرجال، آباءً كانو أم أزواجاً.
قليلة هي المرات التي أصطحب معي في سيارتي أحداً، وخاصة صباحاً أثناء قدومي للعمل لسببين، الأول أنني دوماً أكون متأخرة، والثاني، أنني أفضل سلوك طريق عين مصباح ولا أحب دخول المنارة بسبب الازدحام.
قيل يومين كانت هناك امرأة تنتظر في وسط البلدة، وكان من الواضح أنها متأخرة عن عملها فطلبت مني أن أقلها ففعلت.
بدأت تشرح لي سبب تأخرها، الذي عزته لمرض ألم بابنها البالغ من العمر 10 سنوات، مما منعها من النوم تلك الليلة، وأنا أعلم أنها امرأة تربي ابنها وحدها، بعد أن تخلى أبوه عنه. وضعها المادي سيء جداً، وما تجنيه من عملها يذهب ثلثاه لأجرة البيت والمواصلات، من القرية حيث تسكن، إلى رام الله حيث مكان عملها. أما الثلث الباقي، فعليها أن تصرف منه على نفسها وعلى ابنها كذلك رغم قلته، لا قانون ولا أجهزة أمنية، استطاعت أن تلزم والد الطفل بدفع نفقتها كزوجة بعد الطلاق، ولا نفقة الابن.
استمرت في الحديث، فعرجت على حوادث الحريق التي حصلت، وراح ضحيتها خمسة أطفال، وقالت إنها سمعت الناس في السيارة العمومي يتحدثون عن الحادث، واضعين اللوم على الأم التي لم تتفقد الشموع المشتعلة قبل أن تنام، وكأنها هي المسؤولة عن الحريق، كنت أنا قد سمعت مثل هذا اللوم للأم، وكأنه لا تكفيها فجيعتها بموت خمسة من أبنائها، لا أحد لام الأب، الذي من المفروض حسب عاداتنا أن يكون راعي الأسرة، على أنه لم يتفقد أبناءه والشموع المشتعلة.
الأكثر فجيعة كان ما سمعته عن موت المرأة في الحريق الذي شب في منزلها في كفر نعمة، ويقال أنه نتج أيضاً عن شمعة محترقة، سمعت الخبر المقتضب من إذاعة فلسطين، الذي لم يشر من قريب أو بعيد لسبب اندلاع الحريق، ولا عن ظروف الحادث، لكن سرعان ما بدأت الألسن تثير الأقاويل عن تلك المرأة، أنها كانت على علاقة مع رجل آخر، وأنها ربما تكون قد أحرقت نفسها، أو أن هناك من قام بحرقها.
رغم أننا نصف أنفسنا دوماً بأننا شعب متدين، ورغم أن الدين يقول: "إن بعض الظن إثم"، ورغم أن الدين يدعو لعدم "قذف المحصنات الغافلات" وعدم النميمة، وينهى عن الثرثرة. إلا أننا من الواضح بعيدون عن كل ذلك أشد البعد.
هذه القصص تذكرني بتلك الفتاة التي قتلها أخوها في إحدى مدننا، لأنه رآها عائدة من المدرسة ووجهها شاحب أثناء ساعات الدوام، وأن أحدى المعلمات قد اصطحبتها إلى المستشفى، بعد أن أغمي عليها أثناء الحصة، وأن المستشفى قام بإجراء بعض الفحوصات لها، وعليه أن يذهب إلى المستشفى في اليوم التالي لجلب نتائج الفحوصات.
قتلها ولم ينتظر النتائج، لأن عقله المريض أوحى له أن أخته حاملاً، لكن النتائج أثبتت أنها كانت تعاني من فقر شديد في الدم.
لهذا كله، فإن المرأة عندما تقتل تحت عنوان "غسل العار" أو "الدفاع عن الشرف"، أو حتى عندما تموت انتحاراً أو حادث حريق، فإنها تموت مرتين، مرة بسبب الحادث، ومرة أخرى بسبب تحميلها المسؤولية عن موتها أو عن موت أبنائها.