ما حدا أحسن من حدا- حنان باكير
كلنا مصابون بداء العنصرية. فعلاقة المدنيين بسكان الأرياف تحكمها العنصرية. وعلاقة
الأكاديمي بالإنسان البسيط. الفوارق الطبقية الاجتماعية.. كلها علاقات قائمة على العنصرية، والحط من قدر الآخرين. أبناء الوطن الواحد ما بين منطقة وأخرى، واختلاف لهجاتهم محكومة بعنصرية تصل حد السخرية. وبين أفراد العائلة الواحدة، بين الثري ومستور الحال، بين من تعلم ومن اختار الحرفة.. إضافة الى العنصرية الدينية الطاغية في مجتمعاتنا.
بعد سبعين سنة من النكبة، ما زال الانسان الفلسطيني على تخوم وطنه العربي، يلقى ما يلقاه من عنصرية حاقدة، وما زال محروما من السفر لبلد عربي، لوداع عزيز له قبل دفنه، ولا يحصل العربي على تأشيرة دخول الى اي بلد عربي الا بشق النفس. ففي اليونان كان صديقنا الفنان التشكيلي السوري، متزوجا من امرأة عربية. لم يتعرف الى أهلها، لأن بلدها كان يرفض اعطاءه تأشيرة دخول. عندما غادرنا اليونان، كان عمر ابنتهما ست سنوات، ولم يحصل والدها على حق وفرح مرافقتها لزيارة جديها لأمها! ومع ذلك نحن نفهم العنصرية، كسمة مرتبطة بالغرب الامبريالي. لا ندافع عن السياسة الغربية المنحازة ضد قضايانا. لكن المجتمع المدني والقوانين الاجتماعية شيء آخر.
وحين نعجب بثقافة عالم ندين له بكل ما نتمتع به من ضروريات ورفاهية، نتهم بالنفاق والمحاباة. ونتناسى أن رواد النهضة العربية التي بدأها رجال الدين من الأئمة، امثال محمد عبده، ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، انما عاشوا في الغرب واستمدوا منه الوعي والتنوير، للنهوض بأمتهم.
وفي كل يوم، نشهد تباكي الفضائيات العربية، على أحوال اللاجئين في الغرب، وتبرز معاناتهم بكل اشكالها. في وقت توصد الأبواب العربية في وجوههم، وهي الأحق باستقبالهم، بدوافع الانتماء الواحد للعروبة. ثم تنبري الاقلام في مهاجمة العنصرية الغربية، وكيفية تعاملها المهين مع اللاجئين واذلالهم.. وكأن الحدود العربية البرية والبحرية والجوية، لا تذل من تشاء من أبناء لغة الضاد! فالعنصرية ضد الغير موجودة في كل مكان، ومنطق التعميم السائد في إعلامنا، خاطئ وغير منطقي..
المهاجر الى الغرب يفرض ثقافته، ونمط عيشه، ويقوم بممارسة شعائره الدينية بحرية، لا تتوفر له في الدول الاسلامية، التي تدين بمذاهب مختلفة. بل إن عدد المساجد يفوق عدد الكنائس في العديد من الدول الغربية، لاسيما في اسكندنافيا.
في أوائل صيف بعيد، ولم أكن اعرف النرويج الا في زيارات متقطعة.. زارتني صديقتان صحفيتان نرويجيتان. استضفتهما في بيتي في منطقة رأس بيروت. وذات يوم مشمس دافئ، ارتدتا "البيكني"، وتمددتا على كراسي البلكونة، بشكل عفوي. احترت وتلبكت، لكني تجرأت على الكلام ضاحكة: أتعتقدان انكما في النرويج؟ أنظرا الى عيون الجيران المندهشة، من الرجال والنساء! أسرعتا الى الداخل معتذرتين. وفي كل مرة نخرج الى مكان ما يسألنني ما الذي يناسب المكان من ملابس وسلوكيات، وبعض التعابير بالعربية. أيضا لا نعمم هذا السلوك المهذب على كل الغربيين.
في الفترة القصيرة التي قضيتها متطوعة في دور الايواء، كانت تصدمني بعض السلوكيات لدى طلبة اللجوء، وممارستهم للعنصرية بأبشع اشكالها. بعضهم كان يرفض السكن في مركز واحد مع جنسيات من اصحاب البشرة الداكنة، ويأنفون من التواجد معهم في غرفة واحدة.
العنصرية وجه قبيح، يشوه المشاعر الانسانية. وهو ليس حكرا على شعب أو أمة. فحين نوجه اللوم والنقد للآخر، دعنا نقيّم سلوكياتنا أولا.