عنصرية إسرائيل تحرق أصابعها... بقلم: باسم برهوم
اسرائيل دولة فاقدة للبصر والبصيرة، لذا لا استبعد أن يأتي يوم قريب، نرى فيه غلاة العنصريين والمتطرفين الصهاينة، الذين يحكمون اسرائيل، وهم يحرقون في ساحات المُدن كُتب المؤرخين الاسرائيليين الجُدد، وأي كُتب تتحدث بموضوعية عن الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي.
من كان يتوقع ان يحرق الألمان كُتب ماركس وغيره من المفكرين والفلاسفة في وسط برلين، ولكن عنصرية النازيين العمياء فعلت ذلك.
ما دفعني للتفكير بإمكانية حصول مثل هذا الاحتمال، هو ردة الفعل العنصرية العمياء للسياسيين الاسرائيليين، على مشاركة ومواقف مندوبي منظمة "بتسليم" وجمعية "أصدقاء السلام الآن في الولايات المتحدة" في الجلسة التشاورية لمجلس الأمن التي عُقدت الجُمعة الماضي تحت عنوان "الاستيطان الاسرائيلي عقبة في وجه السلام".
العنصريون في اسرائيل لم يحتملوا ان يقول واحد من بين ظهراينهم الحقيقة، حقيقة ان الاحتلال ظالم وعنصري وانه يجب ان ينتهي، وحقيقة ان الاستيطان سيقود الى واقع عنصري يعيش خلاله الشعب الفلسطيني في معازل عنصرية مفصولة بعضها عن بعض.
ماذا قال حجاي إلعاد مُدير عام "بتسليم" لمجلس الأمن ليُشعل النار في اسرائيل؟
قال: " طيلة 17898 يوماً (وهي ما يعادل خمسين سنة احتلال) يواصل الاحتلال الاسرائيلي فرض حضوره على الفلسطينيين، ان تكون فلسطينياً يعني أن تعيش تحت وطأة الحُكم العسكري، تحت وطأة نظام تصاريح لا نهائي يُسيطر على الفلسطينيين من المهد إلى اللحد، اسرائيل تُسيطر على سجل السكان وتصاريح العمل، واسرائيل تُقرر من يُمكنه السفر الى الخارج ومن لا يُمكنه، ومن يُسمح له بزراعة حقله، وأي حقل، فالفلسطينيون يستنشقون احتلالاً مع كل نفس يتنفسونه، خطوة واحدة خاطئة قد تُفقدك حُرية الحركة والتنقيل، أو مصدر الرزق أو حتى فرصة الزواج وبناء اسرة مع من تُحب".
ويُضيف إلعاد أن المستوطنات تعني نقاط تفتيش عسكرية للفلسطينيين وطرق التفافية وجدار فصل، وأخيراً تعني تفتيت الفلسطينيين الى مئات المجتمعات المعزولة، العائمة الآخذة بالغرق ببطء في مجرى الهيمنة الاسرائيلية.
وخاطب إلعاد مجلس الأمن قائلاً: "لا يُمكن لإسرائيل أن تواصل اللعب على الحبلين، لا يُمكنها احتلال شعب طيلة خمسين عاماً، والتظاهر في الوقت نفسه انها دولة "ديمقراطية"، ولا يُمكنها انتهاك حقوق الملايين والمُطالبة بإكراميات دولية لا يُبررها سوى كلمة جوفاء حول الالتزام بالقيم المُشتركة، قيم حقوق الانسان".
إن موضوعية مُدير عام منظمة "بتسليم" وقوله الحقيقة، كشفت كم هي اسرائيل وكم هي الطبقة السياسية في اسرائيل غارقة في العنصرية والكراهية وانكار الآخر. فقد وصلت ردة الفعل الرسمية وغير الرسمية إلى وصف منظمة "بتسليم" بالخيانة والانضمام الى جوقة المُحرضين على اسرائيل والمنادين بنزع الشرعية عنها.
ما الذي نأمله نحن الفلسطينيون من دولة فاقدة للبصر والبصيرة، دولة تؤكد وتُصر على أنها عُنصرية، لا تقبل حتى بمن يدق جرس الانذار والتحذير من الاسرائيليين انفسهم؟.
إن دولة من هذا القبيل ليست خطراً على الشعب الفلسطيني فقط، فهذا أمر مفروغ منه، وانما هي خطر على السلم العالمي. صحيح أننا نحن الفلسطينيين ندفع ثمناً باهظاً من هذه العنصرية، وندفع ثمناً أكثر فداحة مع استفحالها اكثر، ولكن لا بد من رؤية النور في آخر النفق المُظلم، وهو أن هذه العنصرية في حالة افلاس كامل، وانها بدأت في واقع الأمر تحرق أصابعها، فعندما تبلغ العُنصرية درجة عدم احتمال وجود العقل، العقل الموضوعي الذي يُشكل ضميراً، والحالة هذه من الطبقة السياسية الاسرائيلية، فإنه يمكن القول ان اسرائيل ذاتها تخضع لاحتلال أكثر سواداً من الاحتلال العسكري، الا وهو احتلال العنصرية التي تُسيطر على عقول الاسرائيليين.
فالعُنصرية أقل ما يُقال عنها أنها تلغي العقل أو على الأقل تقود لتشويهه فلذلك لا استبعد أن يحرق عنصريو اسرائيل الكتب في ساحات المدن، وفي تلك اللحظة تكون اسرائيل تحرق نفسها بيدها.