"هنية محمود سليمان غزاونة"-عيسى عبد الحفيظ
تنحدر الشهيدة هنية من البيرة أصلاً لكن عائلتها انتقلت إلى منطقة الرام لتستقر حتى الآن. لها شقيق واحد وشقيقة واحدة.
عائلة تمتهن الفلاحة من جذور الفلاحين الفلسطينيين الذين اشتهرت بهم بلادنا فهي بلد زراعي بامتياز. عشق الفلسطيني الأرض وبادلته هي العشق نفسه. الأرض تعطي خيراتها لمن يقوم بخدمتها، فكان الفلسطيني الفلاح بالوراثة وحتى بالسليقة يفتخر بأرضه وبالاعتناء بها على مر العصور وفي كل المواسم.
هنية تنحدر من هذا الوسط الفلسطيني الذي يمارس خدمة أرضه كي ترد له الجميل فالأرض وفية بقدر وفائه لها. اضطرت عائلتها إلى ترك البيرة واستقرت في الرام حيث بدأت هنية بالتردد على مركز الخياطة بعد الانتهاء من دراستها المتوسطة.
تفجرت الانتفاضة عام 1987 وبدأت ثورة الحجارة من قبل الشباب الرافض للاحتلال ولم تكن غير الحجارة وسيلة للتعبير عن الغضب والرفض للأمر الذي اعتقد الاحتلال أنه أصبح أمراً واقعاً.
من حادثة الدهس في غزة، انتشرت شرارة الانتفاضة لتعم كل الأرجاء في الضفة والقطاع حتى وصلت إلى سخنين في فلسطين التاريخية حيث سقط أكثر من عشرة شهداء دفعة واحدة.
كانت هنية تشاهد الصدامات اليومية بين أطفال وشباب الحجارة من جهة وقوات الاحتلال من جهة أخرى، الاحتلال الذي أربكته هذه الظاهرة حاول منذ البداية أن يضع حداً لها وعلى طريقته المعروفة بالعنف الأعمى، وبالرصاص الحي.
وكانت تشاهد يومياً الاشتباكات وفجأة ألقى الجنود القبض على أحد الشباب، فهرعت لتخليصه من براثنهم. لم تحمل حجراً ولم تلقه، ولم تحمل سكيناً ولا فأساً، فهي لم تحمل سوى القلم في مدرستها التي تركتها مبكراً، وإبرة الخياطة عندما شبت لكنها لم تستطع الوقوف على الحياد أثناء تنكيل الجنود بالطفل الذي وقع بين أيديهم. هرعت لمساعدته على التخلص من قبضة الجنود فما كان من أحدهم إلا أن وجه لها رصاصة عن قرب في الجهة اليسرى من الصدر حيث موقع القلب.
هكذا ودون سابق إنذار وفي الأيام الأولى لانتفاضة الحجارة سقطت هنية. هل كانت هنية تقدمة لانتفاضة ستدوم وتترسخ لتصبح إحدى ظواهر القرن العشرين؟
الجواب وبلا أدنى شك نعم. هدية كانت هديتنا إلى الوطن، إلى التصميم على دحر الاحتلال، إلى فتح آفاق جديدة أمام المقاومة لتصل إلى هدفها الوطني: إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.