دس للسم في عسل المصالحة - عبد الرحيم محمود جاموس
المجلس التشريعي الذي وقف مع الانقلاب فقد شرعيته، والذي وقف مع الانقسام فقد شرعيته، لأن الانقلاب وما رافقه من إراقة للدم الفلسطيني واغتصاب للسلطة وتقويض لمؤسساتها الشرعية وعلى رأسها المجلس التشريعي ورئاسته يكون قد فقد شرعيته التي تؤهله للعب دورٍ في المصالحة. نعم المجلس التشريعي الفلسطيني منتخب من قبل الفلسطينيين في الضفة وغزة، ولكنه ليس منتخباً من الكل الفلسطيني، وإن مشروعية مؤسسات الشعب الفلسطيني ليس صحيحاً أنها تعتمد على صندوق الاقتراع والانتخابات التي تجري في ظل الاحتلال، بل إن مشروعية المؤسسات الفلسطينية وتحديداً منها التمثيلية قد استندت تاريخياً إلى مشروعية تاريخية وطنية ثورية لا إلى مشروعية صناديق الاقتراع، فقد بنيت مؤسسات م.ت.ف منذ العام 1964م على أساس أن الشعب الفلسطيني يمرّ في مرحلة تحرر وطني وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني اعتبر م.ت.ف ممثلاً شرعياً وحيداً له ولتطلعاته الوطنية والقومية، ومثلت م.ت.ف بالفعل إطاراً جبهوياً وطنياً عريضاً ضم جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والنقابي والفصائلي والقوى الفاعلة في عملية التحرر الوطني. إن تولي م.ت.ف لإدارة الشأن اليومي للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في إطار حكم ذاتي محدود نظمته اتفاقات أوسلو يعتبر استثناءً في تاريخ حركات التحرر الوطني وأن المشروعية لمؤسسة سلطة الحكم مستمدة أصلاً من أطر منظمة التحرير الفلسطينية التي أقرت اتفاقات أوسلو وأقرت بعدها قيام مجلس تشريعي منتخب وغيره من مؤسسات سلطة الحكم الذاتي، وقد اقتصرت الانتخابات فيها على فلسطيني قطاع غزة والضفة الغربية ولم تكن شاملة لجميع الفلسطينيين سواء في انتخابات 1996م أو في انتخابات 2006م، فالمجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي لا يمثل إلا جزءاً من الشعب الفلسطيني، وأعضاء المجلس التشريعي هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل السلطة العليا في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن دعوة عماد الفالوجي لإعطاء دور للمجلس التشريعي الذي خرجت رئاسته على الشرعية الفلسطينية عند الانقلاب في رفضها الانعقاد في دورة جديدة بناء على طلب الرئيس حسب النظام الأساسي للسلطة الوطنية يكون قد انضم إلى الانقلابيين الخارجين على الشرعية الفلسطينية وهذا سقوط لا يمكن أن يبقي عليه صفة شرعية تمثيله لهذا المجلس وإن كان هذا المجلس قد جاء عبر صناديق الاقتراع، هذه الصناديق التي تستخدم اليوم كأداة طيعة في يد الولايات المتحدة لتغيير وإعادة تشكيل كثير من الدول والقوى المناهضة لها على مستوى العالم وحتى بعض النظم المحسوبة عليها تاريخياً والأمثلة واضحة من ربيع أوروبا الشرقية إلى الربيع العربي الذي نتابع فصوله، وبالتالي تأتي دعوة الفالوجي لإعطاء دور للمجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي في المصالحة وكأنها تضع عقبة جديدة في طريق هذه المصالحة من خلال إسباغ المشروعية على المواقف الانقلابية التي ساندتها أغلبية هذا المجلس التشريعي وطعناً لشرعية المجلس الوطني الفلسطيني والذي لعب وسيلعب دوراً مهماً في المصالحة خصوصاً من خلال رئاسته ومن خلال المجلس المركزي لـ م.ت.ف والذي بقي مسانداً وحامياً للشرعية الوطنية الفلسطينية باذلاً الجهود الإيجابية لمواجهة الانقسام ونتائجه الوخيمة على المستوى الداخلي والعربي والدولي. عبد الرحيم محمود جاموس E-mail: pcommety @ hotmail.com - الرياض 14/12/2011م