شعب واحد وليس مزقا من طوائف
يحيى رباح
ونحن في أجواء الذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور المشؤوم الذي انتجه المال اليهودي، والموجة الاستعمارية العاتية في ذلك الوقت التي كانت تتصرف بلا ضوابط في تركة الرجل المريض_كما اطلق على الخلافة التركية _تابعت بحذر شديد المؤتمرين اللذين عقدا بالتزامن تقريبا في طهران واسطنبول، أولهما مؤتمر دعم المقاومة الذي عقد في طهران، وشارك فيه تابعو الإسلام السياسي الشيعي صغارا وكبارا، وخطابه الملتبس الذي ظهر في البيان الختامي الذي لم يرسو على اتجاه واحد، وتورط فيه الفلسطينيون المشاركون بما لم يطلب منهم مع انهم يعلمون ان المؤتمر كله ليس الا صدى لانقلاب الموقف الأميركي على الاتفاق النووي الإيراني بكل حواشيه.
اما المؤتمر الثاني الذي عقد في إسطنبول وشارك فيه تابعو الإسلام السياسي السني، وخطابه الأكثر التباسا، لأنه لم يتوخ أي فائدة للشتات الفلسطيني، بل سعى بكل جهد لإلحاق الأذى بالشرعية الفلسطينية، لأن تركيا تواجة حالة شاملة من عدم الاستقرار، عبر استمرار نظام اردوغان في الاشتباك مع كل مكونات الشعب التركي، ويعاني اضطرابا في فهم حقيقة الموقف الأميركي، كما يعاني من تغير حاد في طبيعة الموقف الأوروبي خاصة لجهة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، واتضاح ان هذا الامل ابعد حتى مما كان يتخيله المتحفظون.
وكلا المؤتمرين الشيعي في طهران والسني في إسطنبول حاول ان يلعب في الورقة الفلسطينية، بينما الشعب الفلسطيني موحد لم يهتم ادنى اهتمام بهذين المؤتمرين، وهو يواصل صعود وحدته كشعب، ووحدته كقضيه، ووحدته كأداة سياسية، وان الفلسطينيين الذين شاركوا في المؤتمرين اكثرهم من سقط المتاع، وهم من مفردات وعد بلفور حينما جال الياهوساسون في النصف الأول من القرن العشرين مبشرا بالصهيونية ووعودها على النسيج الطائفي في المنطقة، فوقعوا له على بياض واعطوه كل الوعود، الا ان الشعب الفلسطيني المغدور، رغم كل جراحه ورغم كل ما تعرض له من انكار، وما بلي به من استخدام لجراحه، فاجأ الجميع بقيامه من الموت المحقق، مثبتا انه شعب عريق واحد بقضية واحدة وليس مزقا من طوائف متناحرة هنا او هناك.
وبينما كان اللاعبون الكبار والصغار منهمكين في الانكفاء على اوهامهم في كلا المؤتمرين كان الشعب الفلسطيني كله يتجلى في حضوره الخاص في مجد الكروم ورام الله وبيت لحم والقدس وفي مخيمات لبنان وحتى في حضوره في أميركا نفسها، بل ان الجمل الصادقة والعميقة التي تبادلها يعقوب شاهين وامير دندن على الهواء مباشرة كانت اعمق وأوضح واشمل في معانيها من الخطابات الملتبسة التي جاءت على ألسنة الخطباء في كلا المؤتمرين.
ذلك ان الحضور في المؤتمرين رغم تناقضهم المريع، كانوا يعزفون على أوتار وعد بلفور نفسه رغم صراخهم الحاد وضجيجهم الزائف، اما وحدة الشعب الفلسطيني وشرعيته الوطنية التي تجلت في كل مكان فإنها تعزف على أوتار البطولة والقراءة الواعية لما يحدث في العالم، والامل الذي نبنيه خطوة وراء الأخرى في زخم حياتنا اليومية، اؤلئك ذاهبون الى الخيارات الملتبسة، ونحن قادمون مع الامل الأكيد.