طفلٌ فلسطينيّ من الخليل
بقلم: محمد علي طه
طفلٌ فلسطينيّ من الخليل، لا أعرف اسمه ولا اسم عائلته فلا حاجة للأسماء. هو طفل فلسطينيّ وعمره ثماني سنوات، تمامًا مثل عمر حفيدي الأصغر. هو حفيدي الأصغر ولكنّ حفيدي "رازي" يلعب بحاسوبه وحفيدي "محمّد" يعدو وراء طابته، وأطفال العالم يجرون وراء الفراشات الملوّنة ويغرّدون مع العنادل ويسقسقون مع العصافير ويأكلون الكعك، ولكن في شريط "بتسيلم"، و "بتسيلم" شجاعة جدًّا، طفل جميل، طفل من الخليل يلفّعه الخوف ويبتلعه الرّعب. تسعة جنود وثلاثة ضبّاط من جيش الاحتلال مدجّجون بالسّلاح العصريّ الاسرائيليّ الأميركيّ يحيطون بالطّفل، بالطّفل الأسير، اثنا عشر جنديًّا من فرقة جولاني الشّهيرة يأسرون طفلًا فلسطينيًّا من الخليل. لا ذنب له، آسف يا ناس. ذنبه الوحيد أنّ شمس آذار الدّافئة أغرته وصدّقها، وأنّ تغريد عنادل الحديقة دعاه فلبّى الدّعاء. خرج من البيت حافي القدمين. في يوم الأحد التّاسع عشر من آذار. قبل عيد الأمّ بيومين. هل شاهدتم أمّه؟ وهل عرفتم ما تقوله عيناها؟ وما ينزف قلبها؟ اثنا عشر جنديًّا احتلاليًّا يحيطون بالطّفل. مرحى مرحى للأبطال! مرحى مرحى للعسكر! جنديّان قويّان مثل ثورين في فصل الرّبيع يقبضان على ذراعي الطّفل. والطّفل يبكي. هو لم يرجم عصفورًا بحجر ولم يزعج فراشة على اقحوانة ولم يطرد نحلة عن زهرة ولم يعتدِ على نوّار مشمشة. طفل يطلّ الرّعب من عينيه الدّامعتين والجنود الأبطال يقودونه باتّجاه مستوطنة "كريات أربع"، المستوطنة التي سرقت أرض أجداده وكروم أهله واحتضنت مزار مجرم الحرم الابراهيميّ وأنجبت الأفاعي والعقارب وغلاة المستوطنين. الطّفل الفلسطينيّ يرى الموت. الطّفل الذي يحبّ الفراشات والعصافير والطّابة والبنانير، الطّفل الحافي القدمين، الطّفل الذي ترك حذاءه في غرفة جدّته، الطّفل الذي اغتالوا طفولته، فرقة "جولاني" تقوده حافيًّا باكيًّا من بيت إلى بيت. من "كريات اربع" إلى جبل جوهر. أين راجمو الحجارة يا صبيّ؟ قل. تكلّم. افصح. والطّفل يبكي. لا يعرف أحدًا. طفل فلسطينيّ من الخليل في عمر حفيدي الأصغر تأسره فرقة عسكريّة من "جولاني". يا يعيش العسكر! مرحى للفاتحين! هل شاهدته يا ابراهام ويا سارة؟ هل شاهدته يا موشيه ويا راحيل؟ طفل عربيّ فلسطينيّ من الخليل في عمر حفيدي الأصغر. هل لكم يا موشيه ويا تمار ويا امنون ويا روت ويا يهوشع ويا شوشانا عيونٌ لتنظر إليه؟ هل شاهدتم عاركم في عينيه؟ طفل فلسطينيّ في عينيه تراجيديا وعلى لسانه رواية يقول لكم:
كلّ احتلال زائل زائل زائل،
ولكلّ ليل آخر آخر آخر،
أما آن الأوان لترفعوا أصواتكم؟!
ولو.. استحوا!!!