طريق الأسرى مليء بالأسرى
يامن نوباني
ليس مطلوبا منك أكثر من أن تضع على محرك البحث في أية وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة "فيسبوك" عبارة: إضراب الكرامة، أو الأسرى، أو معركة الأمعاء الخاوية، لتجد آلاف الصور لأيدٍ مزينة بالكلبشات الحديدية، ترفع شارة النصر.
صور نشرها الأهالي والأحبة والمتضامنون، بعضها حمل تاريخ الاعتقال البعيد، وأخرى حملت شعارات ثورية تَعِد بالفرج القريب، أما أقسى الصور فكانت تحمل الحكم القاسي والذي غالبا ما يكون المؤبد.
ملصقات لأطفال وفتيات وشبان مكبلي الأيدي والأرجل، يمشي بهم جنود المحاكم الاسرائيلية إلى قاعات المحاكمة الظالمة، وأمهات يبكين أو يزغردن. أطفال يحدقون في ملامح آبائهم عبر ملصقات يرفعونها في الاعتصامات.
أدرت محرك البحث في صفحة "فيسبوك" بعد أن وضعت عنوان: إضراب الأسرى. بحثا عن حكاية لم تُروَ، وأسماء نضالية جديدة تُضيء بأمعائها الخاوية عتمة فلسطين المحتلة.
تسعة أقارب ما بين أشقاء وأبناء عمومة عثرت على صورة تجمعهم، كتب فوقها صاحبها، ابراهيم أبو سل: "أخي الاسير المضرب عن الطعام محمد أحمد أبو سل، وأبناء العم أحمد عبد الرحمن أبو سل، ومحمد خالد أبو سل، ومهند جابر أبو سل، ومؤيد جابر أبو سل، وحمزة جابر أبو سل، وكريم مسلم أبو سل، وعلي مصطفى أبو سل، وعماد جمال أبو سل، أبناء العائلة الذين يقبعون في سجون الاحتلال فك الله أسركم وردكم الينا سالمين يا رب".
وعبر "فيسبوك" سأبدأ البحث في طريقة للتواصل مع أقاربهم وذويهم لمعرفة حكاياتهم، بدءا بالتواصل مع صاحب المنشور ابراهيم أبو سل، الذي لم ينتبه لرسالتي التي وصلته في آخر الليل على طلبات المراسلة، ما دفعني للبحث عن اصدقاء مشتركين، فعثرت على صديق واحد مشترك بيننا، الشاب خليل كنعان (18 عاما) من مخيم عايدة في بيت لحم، دخلت صفحته لأطلب منه التحدث لإبراهيم وإيصال رسالتي، فوجدته معتقلا منذ عام!.
ابراهيم لم تصله الرسالة، وخليل المشترك بيننا معتقل، دفعني إلى النشر على حسابي: من هنا من مخيم العروب؟ لأجد خلال دقائق عدة رسائل تقول: أنا من العروب. رسالة قالت: أنا من منطقة الخليل وعلى استعداد للمساعدة في ايصالك لأحد من العروب. أثارت فضولي صورتها الشخصية التي بدت لشاب معتقل، فسألتها عن الشخص الموجود فيها، ردت: هذا خطيبي معتقل منذ عام ومضرب عن الطعام.
الآن صار لدي خلال البحث عن صورة تسعة من الأشقاء والأقارب المعتقلين والمضربين عن الطعام، أخ لاثنين منهم لم تصله رسالتي، وصديق مشترك بيننا لكنه اليوم في المعتقل، وصبية جاءت للمساعدة وخطيبها معتقل.
أعاود المحاولة صباحا ومرة أخرى لا ينتبه، لأبدأ بحثا آخر عبر الهاتف، يقودني إلى الأستاذ جابر أبو سل (59 عاما)، وهو والد ثلاثة من الأسرى: حمزة ومؤيد ومهند.
بعد الوصول للأستاذ جابر هاتفيا، يقطع حصته في مدرسة اسماعيل النتشة لدقائق يسرد فيها حكاية عائلته مع الأسر: ولدي مهند اعتقل في 1-1-2017 احتجز لمدة 70 يوما في زنازين عسقلان والمسكوبية وتم تعذيبه بشكل عنيف جدا، ثم جرى تحويله إلى معتقل عوفر وإلى الآن ملفه لم يفتح، وهذا الاعتقال هو الرابع له، وهو متزوج ورزقه الله بطفل يبلغ الان عاما ونصف العام.
ولدي الثاني حمزة معتقل منذ آذار 2016 وهو في سنته الجامعية الثانية، واحتجز في المسكوبية وعسقلان لـ50 يوما من التحقيق، ومحكمة الاحتلال طلبت له حكما يصل لمدة خمس سنوات.
ولدي الثالث مؤيد طالب في كلية دار المعلمين - رام الله التابعة لوكالة الغوث، وكان من المتفوقين في الثانوية العامة وفي الكلية، واعتقل أيضا في اذار 2016 ودخل تحقيق المسكوبية وعسقلان والى الان موقوف في عوفر.
مأساة جابر لا تتوقف عند هذا الحد، ثلاثة أبناء في الأسر، فالماضي والخبرة مع الاقتحامات والاعتقالات أيضا يؤرقه، يقول: لدي سبعة أبناء الاحتلال اعتقل ستة منهم، منذ العام 2004 لم أجتمع بأبنائي جميعا مرة واحدة.
البيت لم يعد هو البيت، يتابع جابر: اعتقال أبنائي ترك أثرا كبيرا على البيت، البيت مهزوز في غيابهم، كل شيء ينقصهم، العمل، والمناسبات، والحياة في البيت.
يقول: أمهم أكثر المفجوعين بغيابهم، ويصح فيها لقب "البكاية" لكثرة بكائها عليهم، أحيانا أصحو من نومي فأجدها تبكيهم، حتى وهي نائمة.
ويروي جابر حال باقي أفراد العائلة من المقربين الذين يقبعون خلف القضبان: علي مصطفى محكوم 17 شهرا، ومحمد خالد اداري، واحمد عبد الرحمن موقوف، وسامح سالم ابن أخي موقوف منذ عامين ونصف.
بعد عدة محاولات وصلنا لإبراهيم "صاحب المنشور" فأضاف لنا أن كريم موقوف وهذا الاعتقال الخامس له، وعماد حكم 14 شهرا.
وأنشئ مخيم العروب عام 1949 إلى الشمال من مدينة الخليل، في منطقة "وادي الصقيع"، على بعد 15 كم إلى الجنوب من مدينة بيت لحم، ويقدر عدد سكانه بنحو 11 ألف نسمة، تنحدر أصولهم من 33 قرية تابعة للرملة والخليل وغزة، ويقبع اليوم ما يقارب الـ80 أسيرا من المخيم في سجون الاحتلال.