الأم "أبو سرور".. 23 عاما من لوعة الانتظار
عنان شحادة
لم تقف السنوات ال 75 من عمر الحاجة مزيونة، والدة الأسير ناصر سرور المضرب عن الطعام منذ خمسة عشرة يوما، عائقا أمام تواجدها في خيمة الاعتصام المركزية في ساحة المهد ببيت لحم، نصرة للأسرى في معركة الامعاء الخاوية.
وناصر ابو سرور من مخيم عايده شمال بيت لحم، معتقل منذ 4-1-1993 ويقضي حكما مدى الحياه بتهمة مشاركته في قتل ضابط اسرائيلي.
تقول الحاجة مزيونة احرص على تواجدي يوميا في الخيمة منذ الصباح حتى المساء، أتحمل مشاق السفر، حيث يبعد منزلي عن مكان الاعتصام حوالي 5 كم، وفي بعض الأحيان اضطر للقدوم سيرا على الأقدام.
"وانا في الخيمة أشعر أن ابني ناصر الى جانبي، أحس به وأعيش معه لحظة بلحظة، لأن قلب الأم دليلها" قالت أم ناصر، وتابعت "ربي يعلم بحالي، تمر أيام منذ بدء الاضراب لا أعرف طعم الأكل باستثناء الماء، لا طبيخ بالمنزل، مرتين أطفأت نار الغاز تحت الأكل، يا مهجة قلبي اوكل انا وابني بلا أكل!!".
وأشارت الى آخر كلمات ابنها لها قبل الاضراب: " يا امي ديري بالك على حالك، انا سأخوض الاضراب، ما دمت أنت بخير أنا سأكون قوي، وأنا مثل كافة المعقلين".
والداخل في خيمة الاعتصام في ساحة المهد ، يقف أمام مشهد مؤثر في النفس عدما يجد الحاجة السبعينية لا تختزل قصتها بابنها ناصر فحسب، بل نجدها تحمل صورة أخرى الى جانب صورة ابنها للأسير محمود أبو سرور.
تقول: "لدي الآن في سجون الاحتلال ابنان، هما ناصر ومحمود المحكوم بالمؤبد وفي نفس القضية، توفيت والدته قبل عامين حسرة على ابنها، ومنذ ذلك الوقت عاهدت الله ان يكون ابني الثاني.. أزوره وأرعاه في سجون الاحتلال، حيث يوم الزيارة المخصصة أقوم بزيارته قبل ابني ناصر".
ووسط المعتصمين، ترفع الحاجة يدها الى الأعلى وتتحسب على اسرائيل التي افسدت فرحتها بابنها الذي كان مقررا الافراج عنه في الدفعة الأخيرة التي ألغيت،
"حسبنا الله ونعم الوكيل، يا من كريم هل سأحضن ابني وأفرح به بخروجه من السجن".
وتضيف "أنا ذقت الأمرين من يوم اعتقاله وحتى الآن"، وتسترجع بذاكرتها إلى ما قبل 24 عاما مضت على اعتقاله قائلة: "عندما اعتقل كان طالبا في جامعة بيت لحم سنة ثالثة تخصص لغة انجليزية، وقتها كان يدرس عند أصحابه، قبلها كتب رسالة لأصحابه يوم الجمعة، ان لا يفتحوها الا بعد يوم الاثنين وهو يوم اعتقاله، جاء فيها، "أصحابي سلموا على أمي وأبي وأنا سأكون في عالم آخر"، وبالفعل اعتقل في نفس اليوم من عند أصحابه.
بعزة وفخار ابتسمت الحاجة غير آبهة بكل إجراءات الاحتلال إيمانا منها انه لا بد من ان يأتي اليوم الذي سيقهر السجين سجانه، وتقول ان الاحتلال لم يقف عن حد حسرة القلب وذرف الدموع والسهر والتفكير بحال ابني، بل لعبوا بأعصابنا عندما أعلن عن الدفعة الرابعة التي كان ابني فيها وصولا إلى إلغائها.
"حضرت المخابرات الاسرائيلية الى بيتي وتحدثوا معي باستفزاز وقالوا: ابنك سيتم الافراج عنه، انت متأمله بذلك، يعني بدك تزغردي فرحا، مزبوط.. ردي كان أنني سأفرح وسأذبح عجلا وأرقص وأيضا بدي ازوجوووو.....وأنا هيني حضرت الو العروسة".
صمتت قليلا وقالت "يا ابني صدقني اني قمت بتجهيز غرفة نوم ابني ناصر لاحتفل بزواجه، وكان الكلام مع فتاه وأهلها لأن تكون شريك حياته، وسيكون الفرح بعد ايام بعد اطلاق سراحه، لكن أفوض أمري لله ".
وأكدت أنها على مدار سنوات الاعتقال، ذاقت الأمرين، ففي السنوات السبع من اعتقاله حرمت من زيارته، بعدها سمح لها بزيارته مرة واحدة كل عامين، وفي السنوات الأربع الأخيرة كل 15 يوما زيارة.
تقول الحاجة مزيونة: "أنا متخوف على حياة ابني، وزنه 48 كغم، ويعاني من آلام في ظهره، لكن رغم ذلك أملي بالله ان يأتي يوم وتتكحل عيناي برؤيته واحضنه واقبله قبل ان ألقى رب العالمين."