شهداؤنا وأسرانا مقاتلو حريّة وفق القانون الدولي.. بقلم: د. عبد الله كميل
إنَّ احتلال إسرائيل لفلسطين وما رافقَهُ من انتهاكات حرب وانتهاكات ضدَّ الإنسانيّة قامت بها إسرائيل ضدَّ الفلسطينيين سواء من خلال المجازر الجماعية، أو عمليات القتل والاغتيال، أو سرقة الأراضي والموارد الخاصّة بالفلسطينيين، أو إحلال المستوطنين الإسرائيليين مكان السكان الفلسطينيين، أو تقييد حركة الفلسطينيين، ممَّا يُشكِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.. إنَّ كلَّ ذلك وغيره من الممارسات الاحتلالية برَّر للفلسطينيين المقاومة بكلِّ أشكالها، وبما فيها الكفاح المسلَّح انطلاقًا من مشروعية المقاومة المستمَدَّة من أحكام القانون الدولي المتمثِّلة في ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية والإقليمية والأعراف الدولية وغيرها من مصادر القانون الدولي. فحقُّ الشعوب التي تتعرَّض أراضيها للاحتلال بالمقاومة من أجل تحرير أراضيها والتخلُّص من الظلم والاستبداد والاستعمار جاء أيضًا مُنسجِمًا مع المبادئ التي أتى بها الرئيس الأمريكي "ويلسون" مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
وبالرجوع إلى ما أقرَّته الأمم المتحدة حول شرعية المقاومة فقد جاء بالمادة من ميثاقها نصا يفيد بأحقّية الشعوب فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة عليها ، ونستذكرُ أيضا أوّلَ قرارٍ صدرَ عن الأمم المتحدة في كانون اول ، والذي أكَّد قانونية النضال من أجل التحرُّر الوطني، وتمييز هذا النضال عن ظاهرة الإرهاب، فكان مضمون القرار التأكيد على الحقِّ الثابت في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الواقعة تحت الاستعمار ودعم شرعية نضالها، خصوصًا نضال حركات التحرر، وذلك وفقًا لأهداف ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة، ومن ثُمَّ تمَّ التأكيد على هذا القرار مرةً أخرى من قِبَل الجمعية العامة من خلال القرار الصادر بتاريخ --، والذي أكَّد شرعية كفاح الشعوب في سبيل التحرُّر من الاستعمار بالوسائل المتاحة كافةً، بما في ذلك الكفاح المسلَّح، وقد كان نصُّ القرار أنَّ "أية محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وفي مؤتمر دولي بشأن تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني المنعقِد بجنيف العام ، والذي ترتَّب عليه البروتوكولان الإضافيّان عام الملحقان باتفاقيات جنيف الأربع، اعتُبِرت حروب التحرير بمنزلة حروب دولية، إذ جاء في المادة الأولى من البروتوكول الأول أنَّ "حروب التحرير الوطني هي حروب مشروعة وعادلة، وهي حروب دولية تُطبَّق بشأنها جميع القواعد التي أقرَّها القانون الدولي بشأن قوانين الحرب"،وأنَّ "حركات التحرير الوطني هي كيانات محاربة ذات صفة دولية، وهي بمنزلة الدول التي لا تزال في طور التكوين".
فالمقاومة المسلَّحة هي استخدامٌ مشروع للقوة المسلَّحة بهدف طرد المحتل الأجنبي، وتقرير المصير، وانتزاع السيادة في ظلِّ عجز المجتمع الدولي، وخاصةً الأمم المتحدة، عن ضمان تطبيق مقتضيات حقِّ تقرير المصير، وفشل محاولات الآلة الدبلوماسية. ومن هنا تختلف المقاومة عن الإرهاب لا سيما في الحالة الفلسطينية، فما بالكم عندما يُقِرُّ المجتمع الدولي عدة قرارات تؤكِّد أحقية الفلسطينيين بأرضهم ووجوب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام م وقد تُوِّجَت هذه القرارات باعتماد فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة باعتبارها دولةً محتلَّةً وكذلك انضمت فلسطين للعديد من المنظمات الدولية ووقعت العديد من المواثيق والمعاهدات والإتّفاقيات الدولية، وعليه فإنَّ القانون الدولي يعترف بالصفة القانونية بالثّوار ورجال المقاومة المسلَّحة، وهذا ما نستشفه في المادة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع حين أقرَّت بعض الضمانات للثّوار، كما أنَّ المادة / فقرة من اتفاقية جنيف الثالثة قد تنازلت عن شرط عدم الاحتلال عندما حدَّدت الفئات التي تتمتَّع بحقوق المقاتل القانونية، ومن أهمِّها الحق في المعاملة كأسير حرب حيث جاء نصها كالآتي: (أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى بمَن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظَّمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع، ويعملون داخل أو خارج إقليمهم حتى ولو كان هذا الإقليم محتلّاً...).
ولو راجعنا مجموعة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، لوجدنا أنَّ هناك منذ العام نصًّا يتكرَّر كلَّ عام، ويتضمَّن إعادة تأكيد الجمعية "شرعية كفاح الشعوب في سبيل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية ومن التحكم الأجنبي، بكل ما تملك هذه الشعوب من وسائل بما في ذلك الكفاح المسلَّح"، وعليه فإنَّ الأسرى الفلسطينيين ينطبق عليهم القانون الدولي، وهم يُعَدّونَ أسرى حرب، وكذلك الشهداء الذين سقطوا في معركة التحرير يُعتبَرون مقاتلي حرية لا "إرهابيين" كما تدَّعي إسرائيل التي مارست إرهاب الدولة المنظَّم بحقِّ الشعب الفلسطيني، وهو أخطر أنواع الإرهاب. ولعلَّ المضحك المبكي بل والمستفز أنَّ إسرائيل تلك الدولة التي داست كلَّ القِيَم الإنسانية، وانتهكت القانون الدولي والدولي الإنساني هي التي تشن حملةً تحريضيةً ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بسبب تخصيص رواتب لشهداء وأسرى فلسطين! وكأنَّ إسرائيل نسيت أو تتناسى أنَّ الغالبية العظمى ممَّن تقلَّدوا المهام الأساسية في السلطة الوطنية سواءً في مجالات الأمن أو المحافظين أو الوزارات كانوا أسرى، وقد أمضى الكثير منهم سنوات طويلة في معتقلات الاحتلال، والعديد منهم كانوا ايضا بالوفود الرسمية التي فاوضت الإسرائيليين وبالتالي فمن الصعب تجاوز الأسرى أو الأسرى المحرَّرين، فهم بالنسبة للشعب الفلسطيني أيقونات مقدَّسة، ورموزُ عِزّةٍ وكرامةٍ، ومن حقِّهم وذويهم على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير صرف رواتب لهم ولذويهم كي يعيشوا بكرامة، ومن المستحيل على السلطة أو المنظمة التسليم للضغوطات الإسرائيلية الهادفة لمنعها من صرف الرواتب لهؤلاء المقاتلين لأن ذلك يعني التسليم بعدم قانونية نضال شعبنا التحرري الذي أقرته الشرعية الدولية.