منظومة قوانين المرور بين الحاجة إلى المراجعة الآنية والتطبيق العملي.. بقلم: إيهاب عمرو
تزايدت حوادث المرور في فلسطين بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، خصوصاً على الطرق الخارجية الواصلة بين محافظات الضفة، ما أودى بحياة أناس أبرياء، بينهم نساء وأطفال في كثير من الحالات، كالحادث الذي وقع مؤخراً شرقي رام الله وأودى بحياة سبعة أشخاص بينهم أم وأطفالها الخمسة، والحادث الذي وقع كذلك جنوب الخليل وأودى بحياة طفلة وإصابة خمسة آخرين بينهم إمرأة وطفلة، والقائمة تبعاً لذلك تطول.
ويلاحظ أن بعض تلك الحوادث سببتها مركبات عمومية وفقاً لإحصائية متعلقة بتحليل حوادث السير صدرت حديثاً عن شرطة المرور، في حين سببت المركبات غير القانونية والمنتهي ترخيصها نسبة لا يستهان بها من تلك الحوادث، مع عدم إغفال ما سببته المركبات الخاصة أيضاً من حوادث. ولعل الأسباب الموضوعية وراء تلك الحوادث تكمن في عدم احترام القوانين والأنظمة ذات العلاقة من قبل بعض السائقين ابتداء من حيث السرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ أحياناً دون مراعاة خطورة ذلك على حياة الركاب وحياة السائق شخصياً. مع ضرورة الإشارة كذلك إلى تجاوز العمر التشغيلي لبعض السيارات المخصصة للنقل العام الحد المعقول في بعض الحالات ما يساهم أيضاً في وقوع بعض تلك الحوادث. ناهيك عن إهمال بعض السائقين، وليس جلهم، في تنبيه الركاب إلى ضرورة ربط أحزمة الأمان قبل إنطلاق المركبة. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى افتقاد بعض الطرق الخارجية في فلسطين لخصائص السلامة العامة ما يستلزم ضرورة دراسة طبوغرافيا المكان لتجنب وقوع مزيد من الحوادث.
ولا يغير من الأمر شيئاً صدور تقرير دولي عن منظمة الصحة العالمية خلال العام 2015 يشير إلى أن فلسطين تعد أقل الدول العربية في معدل وفيات الحوادث المرورية، كون أن تلك الدراسة ترتبط بشكل أو بآخر بعدد السكان الذي يعد في فلسطين أقل من غيره في الدول العربية الأخرى، ناهيك عن أن غالبية الدول العربية لديها طرق خارجية متصلة تربط مسافات واسعة دون انقطاع، في حين أن الطرق الخارجية في فلسطين لا تتمتع بذات الخصائص التي تتمتع بها الطرق في الدول العربية الأخرى، خصوصاً في منطقة الخليج العربي. والأهم من ذلك أن حوادث السير ازدادت حدتها في فلسطين بشكل لافت خلال العامين الأخيرين، أي بعد صدور التقرير المذكور، ما يبرر الحاجة إلى معالجة تلك الإشكالية بشكل علمي وعملي بعيداً عن ردات الفعل الآنية التي تعقب كل حادث مؤلم، وهو ما يعرف بالعامية "الفزعة".
وأشارت إحصائية صادرة عن جهاز الشرطة إلى أن معدل الوفيات نتيجة حوادث السير بلغ منذ بداية العام الجاري 57 حالة وفاة، اضافة الى 4574 اصابة بينها 78 خطيرة في 5631 حادث سير.
ويمكن تدارك تلك الحوادث، بعد عناية اهل تعالى، بأخذ الحيطة والحذر واتباع وسائل السلامة العامة على الطرق والالتزام بأحكام القانون ساري المفعول والأنظمة ذات العلاقة، كما سيتم توضيحه لاحقاً.
ومع تفهمنا التام لحقيقة أن بعض تلك الطرق الخارجية تكون مشتركة ولا يكون للشرطة الفلسطينية سيطرة عليها، إلا أنه يمكن تطبيق القانون بحزم في تلك الطرق التي يكون للشرطة الفلسطينية سيطرة عليها، مع ضرورة إيجاد وسائل إبداعية لمراقبة سلوك السائقين على الطرق الخارجية الأخرى غير المسيطر عليها، خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي الحديث الذي يسمح باستخدام تلك الوسائل.
والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هل هناك حاجة لتعديل منظومة قوانين المرور في فلسطين؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، هل هناك حاجة ملحة لتطبيق قوانين وأنظمة المرور سارية المفعول بشكل صارم ما يمنع، بعد مشيئة الله، وقوع تلك الحوادث؟
إن إطلالة على منظومة القوانين العادية واللائحية التي تحكم السير على الطرق في فلسطين يحتم علينا الإشارة ابتداء إلى وجود إطار قانوني ذات علاقة في فلسطين، وأهم تلك القوانين قانون المرور رقم 5 لعام 2000 واللائحة التنفيذية الخاصة به الصادرة في العام 2005 التي تم تعديل أحكامها بموجب اللائحة التنفيذية المعدلة رقم (10) لعام 2010، إضافة إلى لائحة غرامات المخالفات المرورية رقم 10 لعام 2009 التي توجب على السائقين مراعاة المسافات القانونية بين المركبات، والالتزام بحق الأولوية، والتقيد بإرشادات إشارات المرور والإشارات الضوئية، وعدم السير بعكس اتجاه خط السير، وعدم التجاوز الخاطئ أو السير بسرعة زائدة، وإلا فإنهم يكونون عرضة للمخالفة.
وعليه نستنتج أن النظام القانوني الفلسطيني ليس خلواً من النصوص القانونية التي تتضمن المحاذير والالتزامات الواجب مراعاتها على الطرق، خصوصاً الخارجية منها، كما أسلفنا. وأحسنت القيادة الفلسطينية صنعاً بتوجيه الحكومة إلى ضرورة مراجعة وتعديل قوانين وانظمة المرور ما يشمل تشديد العقوبات على المخالفين لضمان سلامة المواطنين على الطرق.
وتكمن المشكلة، حسب رأيي المتواضع، في آلية تطبيق تلك القوانين من قبل الجهات الإدارية والقضائية ذات العلاقة. إذ بينما تشهد بعض الطرق إجراءات رقابية صارمة من قبل شرطة المرور لأسباب قد تكون معروفة لنا، فإن طرقا أخرى لا تتم مراقبة سلوك السائقين عليها لأسباب غير معروفة لنا. لذلك، يتعين على الجهات القضائية المختصة تطبيق أحكام قانون المرور والأنظمة ذات العلاقة بشكل حازم بعد إحالتهم من قبل شرطة المرور للمحكمة المختصة، ما يردع كل من تسول له نفسه العبث بأرواح المواطنين الأبرياء، خصوصاً الأطفال والنساء منهم. إضافة إلى هذا وذاك، فإنه لا بد من تعاون الجهات ذات العلاقة كافة من أجل العمل على الحد من حوادث السير المميتة، خصوصاً على الطرق الخارجية المشتركة وغير المشتركة. ونقصد تعاون الجهات القضائية والإدارية سواء كانت تنفيذية كالشرطة أو كوزارة النقل التي يقع على عاتقها أيضاً مسؤولية منح الرخص الخاصة بسائقي المركبات العمومية ما يشمل فحص مركباتهم من ناحية فنية. كما أن لوزارة النقل دورا أيضاً في الرقابة على مدارس تعليم السياقة وضمان تخريج سائقي مركبات عمومية مؤهلين وقادرين على القيادة في الطرق باحترافية سواء كانت داخلية أو خارجية. إضافة إلى ضرورة اتباع إجراءات رقابية أكثر صرامة على المركبات المستوردة وفحص مدى ملائمتها للطرق في فلسطين.