المكتبة الوطنية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
يظن البعض أن المكتبة الوطنية هي مكتبة عامة، لعرض الكتب فحسب، والواقع أن الأمر يتعلق بوعي الدولة، الذي من خلاله بوسعنا أن ندرك أن المكتبة الوطنية هي أولا من الناحية المعنوية والسياسية، رمز من رموز السيادة الوطنية، وعنوان أساس من عناوين الدولة، وهي من الناحية العملية، ضرورة بنيوية، وعلى نحو استراتيجي بكونها بيت الذاكرة الفلسطينية، الذي عليه أن يحفظ تاريخ الشعب منذ لحظة التدوين الأولى، وصعودا من الحاضر الى المستقبل، بمختلف تجلياته المدونة الحضارية والثقافية والجمالية، العلمية والفكرية والأدبية والفنية، ثم على المكتبة الوطنية ان تحفظ كل ما يصدر عن الدولة من قرارات ومراسيم وقوانين، وفيها ستسكن سجلات الأراضي والنفوس وكل نص له علاقة بالعقد الاجتماعي، وكل ذلك لأغراض الحكم الرشيد، ولسلامة البناء والتطور للدولة والمجتمع.
وبكلمات أخرى المكتبة الوطنية، الحافظ الأمين للرواية الفلسطينية بمختلف فصولها، والأهم في كل هذا السياق، هذا التوثيق الخلاق لكل ما تنتج الدولة ومؤسسات المجتمع وأفراده من نصوص لها هذه العلاقة بالتدوين والإبداع والتقنين، ولأن الأمر على هذه الدرجة من الأهمية والضرورة، يتجلى قرار الرئيس أبو مازن بتحويل قصر الضيافة (الذي ظن البعض أنه قصر رئاسي ..!!) إلى مكتبة وطنية بأنه قرار الانحياز الأصيل للثقافة، بوصفها مكونا أساسيا من مكونات التطور والبناء، وضرورة ومن ضرورات الحرية، وبما يؤكد ان فكر الوطنية الفلسطينية، في هذا الاطار فكر خلاق يرى ان التقدم في دروب النضال الوطني لتحقيق أهداف الشعب، في الحرية والاستقلال، يحتاج دائما الى هذه العلاقة الوثيقة بين السياسي والثقافي، وبمثل هذا التنور الذي يؤمن المستقبل الافضل لشعبنا الفلسطيني، والأكثر حضورا وتأثيرا على الصعيد الحضاري والانساني بين الأمم.
والمكتبة الوطنية في مرحلة التحرر الوطني، التي ما زلنا نعيش، هي عمل من أعمال التحدي والمقاومة الحقة، لأن للبناء هذا في مواجهة الاحتلال، هذه الصفة وهذه المكانة، ولأنها على هذه التلة من تلال فلسطين، فإنها لتطل على المستقبل دائما، وإنها بلا شك معلم حضاري من معالم فلسطين شعبا وقضية وتطلعا إنسانيا لا يسعى لغير بناء أسس الأمن والاستقرار والسلام العادل.
إنها خطوة أخرى كبيرة نحو الاستقلال بقدر ما في القرار الرئاسي من تأكيد على المضي في دروب المقاومة لتحقيق كامل أهداف المشروع الوطني التحرري في بناء دولة فلسطين الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، ولضيوف فلسطين الكبار من الدول الشقيقة والصديقة للبيت الفلسطيني، بيت الشرعية في باحته الرحبة حين الثقافة على هذا القدر من الاهتمام والانشغال الابداعي الذي يوليه هذا البيت لها، وهذا ما سيراه ضيوف فلسطين الكبار.
شكرا سيدي الرئيس على هذا القرار، وإلى وزارة الثقافة ووزيرها نقول إلى الأمام ومعا وسويا في دروب البناء والتقدم.