البحر الميت: أسئلة ومعطيات
زهران معالي
طرحت أحدث المعطيات المتعلقة بالبحر الميت، سؤالا كبيرا حول مستقبل هذا السطح المائي. وتشير إحصائيات إسرائيلية نشرت مؤخرا، إلى انخفاض تاريخي جديد سجل خلال شهر آب الماضي في منسوب بحيرة طبريا والبحر الميت بمعدل 13 سنتمترا.
ويحذر مختصون فلسطينيون من انحسار مياه البحر الميت الواقع في أخفض نقطة بالعالم، بوتيرة متسارعة خلال السنوات القادمة، قد تؤدي لجفافه نهائيا خلال خمسة وعشرين عاما، نتيجة ظروف بشرية وطبيعية.
ووفق المعطيات التي نشرتها سلطة المياه الإسرائيلية، فإنه خلال شهر آب وصل النقص في منسوب المياه في بحيرة طبريا إلى ناقص 26 مليون متر مكعب، أي أن كميات المياه المتدفقة إلى البحيرة أعلى من الكمية الخارجة منها، حيث يجري الحديث عن أكثر من مليون متر مكعب مقارنة بالمنسوب السلبي في السابق، الذي حُدد في شهر آب 2014، ووصل إلى ناقص 25 مليون متر مكعب شهريا.
مدير دائرة الساحل والبيئة البحرية في سلطة جودة البيئة الفلسطينية أكرم الحلايقة، قال لـ"وفا"، إن مشكلة الجفاف في بحيرة طبريا والبحر الميت، بدأت مع الاحتلال الذي أنشأ خط النقل القطري، والذي حوّل كميات تقدر بـ500 مليون متر مكعب سنويا من مياه بحيرة طبريا، باتجاه النقب.
ويضيف الحلايقة أن بحيرة طبريا واقعة ضمن مسار نهر الأردن، حيث تتغذى من الشمال من أنهار الحاصباني وبانياس والدان، وبعدها تنتقل المياه بالمسير وتلتقي بنهر اليرموك المغذي السفلي لنهر الأردن وتصب في النهاية في البحر الميت.
ويتراوح عمق بحيرة طبريا بين 42 مترا و48 مترا، ويصل طولها في أقصى حد نحو 21 كيلومترا، ويصل أقصى عرض لها 12 كيلومترا، فيما تنخفض عن مستوى سطح البحر 212 مترا.
ويشير الحلايقة إلى أن مساحة البحيرة التاريخية تتراوح بين 165 إلى 170 كيلومترا مربعا، ومساحتها التخزينية تصل إلى 4 آلاف مليون متر مكعب، فيما تقدر كمية المياه التي تتلقاها البحيرة من الأنهار التي تصب فيها بـ 700-800 مليون متر مكعب سنويا، بالإضافة لكمية الأمطار التي تتساقط مباشرة فوقها والينابيع الجانبية التي تغذيها.
كل تلك المؤشرات السابقة، بالإضافة للتغيرات المناخية وانخفاض كمية الأمطار خلال السنوات الأخيرة حيث تساقطت بنسبة 60% فقط من المعدل السنوي، وتشييد بعض المشاريع الإسرائيلية شمال البحيرة على منابع الأنهار وتشييد لبنان بعض المشاريع على نهر الحاصباني وبانياس، أثرت سلبا على منسوب البحر الميت، وفق الحلايقة.
ويضيف أن معدل الانخفاض السنوي في مستوى مياه البحر الميت تتراوح بين 80 إلى 100 سنتمتر، إلا أن شهر آب الماضي سجل انخفاضا وصل 13 سنتمترا بزيادة غير طبيعية عن معدل الانخفاض الشهري البالغ 8 سنتمترات.
ويشير إلى تراجع مستوى مياه البحر الميت خلال الثلاثين عاما الماضية بحوالي 30 مترا عموديا، فتاريخيا كان ينخفض 400 متر عن مستوى سطح البحر، لكن اليوم ازداد الانخفاض ليصل 428 مترا عن مستوى سطح البحر، فيما تراجعت مساحته التاريخية من 950 كيلومترا مربعا لـقرابة 650 كيلومترا مربعا.
فيما تشير توقعات إسرائيلية إلى أن هذا العام الذي ستنتهي فيه قياسات المياه في نهاية أيلول، إلى أنه العام الأسوأ والأصعب فيما يتعلق بمصادر المياه، حيث انخفض منسوب المياه في البحر الميت منذ بداية هذا العام بما معدله 1.28 مترا. وحتى نهاية الدورة اليهدرولوجية التي تصادف في نهاية أيلول، من المتوقع أن يصل انخفاض منسوب المياه إلى نحو 1.40 مترا.
وتقدر كمية المياه المتدفقة من نهر الأردن للبحر الميت قبل ثلاثين عاما بـ1250 مليون متر مكعب سنويا، إلا أن تلك الكميات تراجعت بشكل قياسي وملفت حاليا، فلا تتجاوز الكمية المتدفقة سنويا 50 مليون متر مكعب، وفق الحلايقة.
ويعزو الحلايقة الأسباب التي أدت إلى تراجع مستوى المياه في البحر الميت، إلى خط الناقل القطري الإسرائيلي الذي حجز قرابة نصف كمية المياه المتدفقة في نهر الأردن، وللمصانع الكيماوية والأملاح جنوب البحر الميت، كشركة البوتاس العربية التابعة للأردن وشركة أشغال البحر الميت الإسرائيلية، التي تضخ من الحوض الشمالي للبحر الميت ما يقارب 250 مليون متر مكعب سنويا لبرك التجفيف، لاستخدامها في الصناعات الكيماوية واستخراج الأملاح، إضافة لتراجع كميات الأمطار بشكل كبير.
وتمخض عن التراجع الكبير في منسوب مياه البحر الميت عدة مشكلات بيئية، بدأت بالظهور تدريجيا خلال السنوات الماضية، كالحفر البالوعية التي يصل عددها إلى ثلاثة آلاف حفرة ويتراوح قطرها بين المتر وعدة أمتار، فيما يصل عمق بعضها عشرة أمتار، أدت لانهيار أجزاء من المنتجعات السياحية على الضفاف الغربية والشرقية للبحر الميت.
ويؤكد الحلايقة أن البحر الميت ظاهرة طبيعية فريدة من نوعها على مستوى الكرة الأرضية، إلا أن مشكلة التراجع المستمر بالمياه فيه أثرت على المشهد الجمالي والحياة الطبيعية في منطقة البحر الميت ونهر الأردن، وتراجع أعداد الطيور المهاجرة القادمة من أوروبا باتجاه إفريقيا.
ويرى الحلايقة أن مشروع خط البحرين الناقل، الذي سينقل المياه من البحر الأحمر للبحر الميت، قد يحل مشكلة التراجع المستمر في البحر الميت.
إلا أن رئيس جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي، يؤكد أن كل الحلول المطروحة لحل مشكلة تراجع منسوب المياه في البحر الميت لن تنجح، وأن الحل الوحيد لهذه المشكلة عدم استغلال مياه نهر الأردن، وعودتها كما كانت سابقا لتصب في البحر الميت.
ويشير إلى أن مستوى المياه في البحر الميت ينخفض سنويا بنسبة تصل إلى 70 سنتمترا، نتيجة تراجع التغذية من نهر الأردن والضخ المتزايد لمحطة البوتاس الإسرائيلية، موضحا أن كل الأبحاث والدراسات تشير إلى أن العمر الزمني المتبقي للبحر الميت يتراوح بين 20 عاما و25 عاما.
ـــ
ha