ألاعيب الكلمات الحمساوية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
ما زالت حركة حماس تهوى التلاعب بالكلمات والمناورة بها، على وهم انها بهذا التلاعب، وهذه المناورة، قادرة على اخفاء ما تبطن من موقف ما زال مناهضا للمصالحة الوطنية، التي من الضرورة ، ان تبدأ اولا من انهاء الانقسام القبيح، بل ان المصالحة لا يمكن ان تستقيم دون هذا الانهاء وعلى نحو حاسم.
في القاهرة، وفي اجواء الخطاب القومي المسؤول للاشقاء المصريين بشأن المصالحة الوطنية، اعلنت حماس استعدادها لحل اللجنة الادارية فورا، وقد يبدو هذا الاعلان تطورا ايجابيا في هذا السياق، لكن التلاعب بالكلمات يبطل هذا التطور الايجابي، ويؤكد باطنية حماس، ويكشف عن نواياها الحقيقية المناهضة للمصالحة الوطنية، واصرارها على ان تظل حواراتها هي حوارات الطرشان على اقل تقدير, وإلا ماذا يعني ان تضيف حركة حماس في هذا الاعلان انها على استعداد للحوار مع حركة فتح لإبرام اتفاق وتحديد آليات تنفيذه (...!!!) وكأنها لم تحاور حركة فتح قبل هذا اليوم، والأهم كأن اتفاق القاهرة الموقع عام 2011 والذي اعيد التأكيد عليه بتوقيع جديد عام 2012، لا وجود له ألبتة..!! وليس ذلك فحسب، بل انه لا وجود ايضا لاتفاقية مكة المكرمة، ولا لإعلانات صنعاء والدوحة والشاطئ...!!
وفي غزة تغتنم حركة حماس ذكرى انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي احادي الجانب من قطاع غزة، وبعد ان تصور في بيان شعبوي مطول، هذا الانسحاب الذي أسس للانقسام القبيح بانه انتصار مظفر، تغتنم هذه الذكرى لتواصل هجومها على السلطة الوطنية، على ان هذا ليس هو المهم، بل المواقف التي تكرسها في هذا البيان، والتي تؤكد بانها ليست إلا مواقف اقصائية، لا تقرب ولا بأي حال من الاحوال المصالحة الوطنية، ولا بأي كلمة من الكلمات، ما يعني ان اعلانها في القاهرة، ليس إلا اعلان علاقات عامة لتكريم حسن الضيافة المصرية..!!
وفي هذا البيان بمواقفه الاقصائية، لا تريد حماس من الكل الوطني سوى ان يكون مزمارا لها، ولمشروعها الذي انكشف تماما، انه لا يعرف المقاومة حقا خارج الخطاب والشعار، بل انه لم يقربها في يوم من الأيام على نحو وطني صحيح، وقد تكشفت عمليات التفجير التي نفذتها اواخر تسعينيات القرن الماضي، بانها لم تكن تستهدف الاحتلال الاسرائيلي، بقدر ما استهدفت اضعاف السلطة الوطنية، وتدمير فرص السلام التي كانت ممكنة في ذلك الوقت، وهذا ما استثمره اليمين الاسرائيلي المتطرف الى اقصى حد، وما زال يستثمره حتى اللحظة لوأد فكرة السلام بحد ذاتها، وفي هذا البيان تصر حماس على المناكفة، والمغالطة، ونفي الحقائق، وتلبيس السلطة الوطنية مواقف لا وجود لها ولا واقع مطلقا...!! ففي الوقت الذي تعرف فيه ان الرئيس ابو مازن قد اوقف حقا التنسيق الامني ومازال، فإنها تطالب بوقف هذا التنسيق(...!!) والكف عن اعتراض مسار المقاومة..!! هذا المسار الذي لا يعرف احدا اين هو، وما هو شكله ولونه وطبيعته، واين هي الخطوات الماضية فيه..؟؟ لكنه وكما يكشف البيان ليس الا المسار الذي تريد حماس بواسطته اجبار السلطة الوطنية على الاستمرار في تمويلها للانقلاب والانقسام القبيح..!! وخطوات الضرورة الوطنية التي يتخذها الرئيس ابو مازن لوقف هذا التمويل، ليست اجراءات عقابية ضد القطاع كما تصورها حماس وبيانها، وانما هي لقبر الانقسام القبيح ليس إلا، وقد تفهم ذلك اهلنا في القطاع المكلوم على نحو بالغ الوضوح.
وباختصار بيان حماس في ذكرى انسحاب قوات الاحتلال احادي الجانب من قطاع غزة، لا ينسف فقط ما اعلنته حماس في القاهرة، بل انه يؤكد حقيقة موقفها الاخواني الرافض للتخلي عن هذه الامارة التي تراها جماعة الاخوان المسلمين بانها قاعدتها الآمنة التي يمكن لها ان تحيي مجددا مشروع الجماعة على هذا النحو او ذاك..!! حماس ما زالت هي حماس بالباطنية ذاتها، التي ما زالت تفشل في اخفاء حقيقة مواقفها، في الوقت الذي تنجح فيه في ابقائها في جلدها الذي لا تريد الخروج منه ابدا..!!