سبعة عشر عاماً على استشهاد المناضل جمال عبد الرازق
حين كانت الانتفاضة الثانية في بدايتها، اغتالت القوات الخاصة الإسرائيلية المناضل جمال عبد الرازق، ابن مخيم الشابورة في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، ولكي تنجح عملية الاغتيال بشكل مضمون، قتلت هذه القوات ثلاثة آخرين معه، هم: عوني ضهير، السائق الذي كان يقود المركبة وصديق جمال الشخصي، وسامي أبو لبان ونائل اللداوي، اللذين كانا متوجهين إلى رفح من مدينة خان يونس، لشراء الوقود في سيارة أخرى تسير بعكس اتجاه السيارة التي كان يستقلها جمال وعوني.
قبل أن يصبح جمال عبد الرازق مطلوباً للاحتلال، كان يعبئ الأمكنة بوجوده، ومن طرائف أعماله أنه كان يصعد فوق جنزير المركبة المعروفة بـ"طباشة الحجارة" وهي مركبة نصف مجنزرة يأتي بها الاحتلال إلى المخيم حين تشتد المواجهات، وتلقي الحجارة بكثافة على الناس وعلى البيوت، كان جمال يصعد فوق جنزيرها ويفتح الغطاء العلوي ويلقي الحجارة على جنود الاحتلال، ويهرب قبل أن تتمكن الآلية من الالتفاف، ما اضطر الجيش لأن يضع "جيباً" وراءها وآخر أمامها، ثم استغنى عنها لأنه لم يعد بالإمكان حمايتها.
جمال كان يفعل كل هذا قبل أن تصبح لديه بندقية، لذلك خافوا من بندقيته التي لم تكن ترفع لغير فلسطين، وقد روى أصدقاؤه أنه كان نائماً ذات يوم، وحدث اجتياح قصير لقوات الاحتلال، فلم يوقظوه، وفي الصباح، عندما علم بالأمر، تخاصم معهم لأيام لأنهم تركوه نائماً، هذا كان نموذج سلوكه كمناضل، لم يكن يحمل السلاح من أجل صورة أو خبر.
في العام 2008، نشرت صحيفة "الإندبندنت" اعترافاً لأحد الجنود الإسرائيليين ممن نفذوا عملية الاغتيال، وتحفظت على اسمه من أجل سلامته كما تقول الصحيفة، ويقول الجندي إن وحدته تدربت بشكل مكثف على تنفيذ الاغتيالات، إلا أن التعليمات قبل تنفيذ العملية كانت "بأنها عملية اعتقال، دون إطلاق النار والقتل إلا في حال تبين أن في سيارة المستهدف سلاح".
وكشف الجندي أن العملية استهدفت "جمال عبد الرزاق" والذي كان في طريقه مع سائقه عوني ضهير إلى خان يونس على متن سيارة، ولم يكونا يعلمان بما ينتظرهما.
معلومات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي أفادت بأن الأسلحة في صندوق السيارة لا في داخلها، إلا أن الأوامر تغيرت فجأة وفي الدقيقة الأخيرة قبل وصول المستهدف، أُعلمنا بأنها ستكون عملية اغتيال.
يضيف الجندي: إن شاحنة إسرائيلية كانت جاهزة للتدخل وإجبار سيارة عبد الرزاق على تغيير مسارها من أجل تسهيل العملية، إلا أن الشاحنة انطلقت مبكرا ما أدى أيضاً إلى إعاقة سيارة أجرة يستقلها المدنيان سامي أبو لبان ونائل اللداوي، اللذان كانا في طريقهما من خان يونس إلى رفح لشراء وقود، وبينما كنا نتوقع سيارة واحدة، رأينا سيارتين كانتا قريبتين جداً واحدة من الأخرى، وفي هذا الوقت بالذات صدرت الأوامر بإطلاق النار، لم أعرف من الذي أصدرها، كنت أصوب نحو عبد الرزاق، وأطلقنا جميعنا النار في الوقت نفسه ولمدة 5 ثوان. لقد أصبته من الرصاصة الأولى، لكنني أفرغت فيه 11 رصاصة أخرى، وعند انقشاع الدخان، رأينا أن السيارتين أصيبتا وأن الأشخاص الأربعة قتلوا، فسأل أحدهم: من أطلق النار على السيارة الثانية؟، ولم يأت أي جواب، بعد ذلك ذهبنا إلى القاعدة، وأُعلمنا بتهاني وزير الجيش ورئيسي الحكومة والأركان لنجاح العملية.
اغتالوا جمال عبد الرازق مع سائقه، مع اثنين لا علاقة لهما بالأمر، في وسط المسافة بين خان يونس ورفح عند مفترق يؤدي إلى مستوطنة "موراج" التي أزيلت عام 2005 إثر الانسحاب الإسرائيلي من هناك، وبعد التحقيقات الفلسطينية في حادثة الاغتيال، تم التوصل إلى عميل هو من قام بتسريب خط سير جمال ومرافقه إلى الاستخبارات العسكرية، وقد اعترف هذا العميل بذلك في حوار معه على شاشة تلفزيون فلسطين، وتم الحكم عليه بالإعدام.