دار الأمل... قصة نجاح ملهمة
د. ابراهيم الشاعر - وزير التنمية الاجتماعية
دار الأمل هي مؤسسة للملاحظة والرعاية الاجتماعية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية تهدف الى تقديم الرعاية والحماية والتأهيل للأطفال الأحداث والمتسربين من المدارس، وقبل عامين كانت هذه الدار معزولة اجتماعياً وفيزيائياً وذهنياً وقانونياً عن البيئة المحيطة ما أثر سلبياً على طبيعة المكان وعلى حياة الأطفال واندماجهم في الحياة العامة.
ولكن بعد صدور قانون الأحداث في مطلع عام 2016 وانسجاماً مع رؤية وزارة التنمية الاجتماعية الجديدة القاضية بالانفتاح على البيئة المحيطة، استطاعت المؤسسة التواصل مع المجتمع المحلي ونجحت في بناء جسور وشراكات حقيقية مع مؤسسات وجامعات وشركات واشخاص داعمين، وانعكس ذلك ايجابياً على البيئة المكانية حيث تمكنت المؤسسة من خلق تغيير جوهري بنيوي ووظيفي، لتتحول من مكان معزول وجامد الى مكان ينبض بالحياة والنشاط ويعج بالزوار على مدار العام، وتم من خلال العمل التطوعي اعادة ترتيب المدخل وتجميله وترميم السور والجدران وطلاؤها بالألوان الزاهية والرسومات المعبرة وبناء ملاعب جديدة، والأهم من كل ذلك تم تأسيس مكتبة وتشكيل فريق كرة قدم وفريق متطوعين، كما تم تأسيس محكمة أحداث داخل الدار حتى لا يذهب الطفل الذي اصبحنا نعتبره ضحية وفي خلاف مع القانون الى المحاكم الخارجية كمجرم.
لقد أصبحت الدار مكاناً جميلاً جاذباً ومريحاً للأطفال، مفعمأ بالطاقة الإيجابية الخلاقة وبالأجواء الداعمة والمحفزة لقدراتهم ومواهبهم وطاقاتهم الكامنة. وعززت الدار تدخلاتها مع الأطفال من خلال برامج تربوية وتثقيفية ونفسية وعمل جماعي وتطوعي وتأهيل اجتماعي ومهني، لذلك تجد في اقسامها وزواياها المختلفة نشاطات متنوعة: أطفال يتعلمون وآخرون يرسمون ويعزفون ويمارسون الرياضة وغير ذلك من النشاطات.
كما اعتمدت المؤسسة فلسفة جديدة للتعامل مع الأطفال كضحايا لواقع اجتماعي واقتصادي صعب، فهم نتاج لهذا الواقع وليسوا سبباً فيه لذلك تركز على تسهيل عملية إعادة اندماج هؤلاء الاطفال داخل المجتمع من خلال اجراء بعض التعديلات الخاصة بالأسرة والمدرسة والأصدقاء والمحيط الذي يؤثر مباشرة في الطفل الحدث وسلوكه.
لقد خطونا في الحكومة الفلسطينية وفي وزارة التنمية الاجتماعية خطوات ملموسة على طريق حماية ورعاية وتنمية الطفل الفلسطيني، ولسنا وحدنا بل لدينا شركاء أساسيون وحلفاء وأصدقاء يدعموننا، وخصوصا وزارات التربية والتعليم العالي، والصحة، والعدل، والنيابة العامة، والشرطة ومجلس القضاء الأعلى ومجموعات التخطيط، ومؤسسات المجتمع المدني، الذي نقدر لهم تعاونهم وجهودهم الموصولة. فمن إقرار قانون الطفل الفلسطيني، إلى قانون حماية الأحداث، إلى استراتيجية الطفولة المبكرة، وإلى شبكات حماية الطفولة، ونظام التحويل، وأدلة الإجراءات، وتشكيل المجلس الوطني للطفل، والانضمام الى اتفاقية حقوق الطفل. ولا نكتفي بذلك بل إننا عاقدو العزم على المضي قدما بكل ما من شأنه حماية أطفالنا أولا من بطش الاحتلال، وثانيا من عواقب الظواهر السلبية من انحراف وتشرد وتفكك وتسرب وتسول وعمالة أطفال.
ويوم أمس افتتحنا مدرسة الأمل لنزرع مزيداً من الأمل في هذه الدار بالشراكة بين وزارتي التنمية الاجتماعية والتربية والتعليم العالي، وهذا هو خير ما نعزز به أطفالنا، الأمل بالحاضر وبالمستقبل. وهذه هي فلسفة عملنا تجاه الطفولة في فلسطين. أطفالنا رأسمالنا ورصيد مستقبلنا. وواجبنا حماية وصيانة حقهم في الحياة وفي البقاء وفي النمو وفي التطور، وتمكينهم بكل وسائل الدعم والتدخلات. وواجبنا الأكثر أهمية هو تجاه تلك الفئة من أطفالنا الذي يواجهون حياة صعبة وظروفا اجتماعية واقتصادية قاهرة، قد تدفعهم إلى دروب ومسالك لا نريدها. ومطلوب منا بذل كل جهد ممكن لإنقاذهم وإعادة تأهيليهم ودمجهم وعودتهم الى الحياة الطبيعية.
لقد قدمنا دليلا ملموسا على عمق الشراكة والتنسيق والتعاون والتكامل بين وزارتي التربية والتعليم العالي والتنمية الاجتماعية، وما افتتاح هذه المدرسة إلا خطوة من جملة خطوات على هذا الطريق. وهنا نسجل تقديرنا وشكرنا لوزير التربية والتعليم العالي وأسرة الوزارة، على دعمهم لمؤسسة دار الأمل في مجال تطبيق حق الأطفال في التعليم وخصوصا لمن اضطرتهم الظروف ليكونوا خارج مقاعد الدراسة في المدارس.
ان افتتاح مدرسة الأمل في مؤسسة الأحداث يعزز جهودنا بتحويل المؤسسة من مكان مغلق وموصود إلى مؤسسة منفتحة على المجتمع، ومنطلقنا في ذلك أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا ظروف اجتماعية واقتصادية أقوى منهم ومن أسرهم، وهم هنا ليسوا سجناء بقدر ما هم طلاّب تأهيل نفسي واجتماعي وسلوكي يمكّنهم من تجاوز محنتهم وظروفهم نحو غد أفضل يعودون فيه إلى أسرهم ومجتمعهم أشخاص أقوياء ومنتجين.
وستكون مدرسة الأمل نموذجاً جديداً وعصرياً للمدرسة المنشودة؛ مدرسة تتعامل مع الطّفل بصورةٍ متوازنة وشاملة دون إغفالٍ لأيّ جانبٍ من جوانبه، فهي لن تّركز على الجانب العقلي مثلاً وتهمل الجوانب الاخرى، بل ستحرص على تنشئة الاطفال عقلياً وجسدياً واجتماعياً وفكرياً ونفسياً وموسيقياً وانفعالياً، وستعمل في اطار مؤسّسة اجتماعية تؤدي وظائف ومهام متعددة ومتنوعة، وستوفر البيئة المُناسبة للنمو المتوازن، وربما خصوصية الأطفال المستفيدين من هذه المؤسسة من المتسربين والأحداث ستفرض هذا النوع من المعالجة المتوازنة وستفرض مراعاة الفروق الفردية للأطفال لتباين خلفياتهم الاجتماعية، ولكن هذا علمياً وتربوياً يتعين أن ينسحب على جميع الطلبة وحتى الموهوبين منهم.
ستركز مدرسة الامل على تقديم الرّعاية الاجتماعيّة والنّفسية لطلابها، لتساعدهم في حلّ مشاكلهم، وستكون امتداداً طبيعياً لدور الأسرة في تربية الطفل وتنشئته وتوسيع آفاقه وتنمية خبراته ليتمكن من مواجهة المواقف والتحديات الحياتية كالعنف، والتسرب والعزلة الاجتماعية، وتدني التّحصيل الدراسي، من خلال أنشطة موجهه تعزز مفهوم المواطنة لدى الطفل؛ لتخرج مواطناً صالحاً قادراً على تحمل مسؤولياته تجاه وطنه وشعبه، لأنه وكما قال الكاتب الفرنسي المشهور فيكتور هوجو: "من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن".
تثبت قصة دار الأمل أن النجاح في الحياة ليس مرتبطا فقط بالمال او بمستوى الذكاء او بالتعليم الرسمي، إنما النجاح في اي مجال من مجالات الحياة مرتبط عضوياً بالإرادة الصلبة والمثابرة والتحدي والفرص وايجاد طرق ابداعية غير مألوفة؛ وتكمن قوة دار الأمل في حيوية طاقمها المهني، واعتمادها العمل الجماعي والتطوعي واهتمامها بالتربية المتكاملة، واعتبار الإنسان قيمة في ذاته، وأثمن ثروة يمتلكها المجتمع الفلسطيني.
دار الأمل شاهد على رقي الشعب الفلسطيني، وعلى التزام القيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء د. رامي الحمدالله بحقوق الإنسان في إطار القوانين والمواثيق الدولية وكذلك على وضوح رؤية وزارة التنمية الاجتماعية التنموية ومثابرة طواقمها للنهوض بواقع الانسان الفلسطيني بشكل عام والطفل الفلسطيني بشكل خاص.
واخيراً، بينما تعكس مدرسة الأمل رؤية إنسانية وحضارية راقية، هناك بالمقابل سجون ومعتقلات احتلالية لا انسانية بغيضة تخنق حرية أطفال أبرياء مكبلين بالأصفاد ويضربون ويهانون وهم أصلاً ليسوا في خلاف مع القانون مثل الطفلة عهد التميمي، وغيرها ذنبهم الوحيد انهم عبروا بطريقة حضارية عن مشاعرهم الإنسانية والوطنية رفضاً للظلم والاحتلال وامتهان الكرامة الانسانية واختراق خصوصيات الناس وسرقة أملاكهم وانتهاك حقوقهم، وهم في الحقيقة يمارسون حقهم انسجاما مع القانون الدولي وكل الشرائع التي تجيز مقاومة الاحتلال ومقاومة الظلم؛ هؤلاء الأطفال هم أبطال يستحقون جوائز الشجاعة والجرأة والتميز والتضحية وليس سجون الاحتلال.