مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

الوجه الحقيقي لصفقة القرن..

أحمد قبها

"خمر قديمة بقوارير جديدة"، العديد من الدلائل تُشير إلى افلاس في الاستراتيجية الغربية تجاه منطقتنا؛ فهي ما فتئت منذ ثلاثة عقود، تعيد إنتاج مشاريعها القديمة بصيغ وأغلفة جديدة. فقد طرحت في بادئ الأمر ما يُعرف بالمشروع الأميركي للإصلاح والديمقراطية، الذي كان موجّهاً للأنظمة العربيَّة.

وبلغ هلع العديد من هذه الأنظمة من المشروع الأميركي حدّ الدعوة إلى عقد قمَّة عربيَّة في تونس لمناقشة هذا المشروع وتداعياته على مستقبل الأنظمة، والتأكيد على أنَّ الإصلاح يأتي من الداخل وليس بإملاءات من الخارج، إلا أنَّ هذا المؤتمر لم ينعقد، بعد أن أوعزت الإدارة الأميركيَّة لحلفائها "داخل" الجامعة العربيَّة بضرورة إجهاض هذا المؤتمر.

فالإدارة الأميركيَّة لا تريد السماح ببروز مشروع عربي للإصلاح يسحب البساط من تحت المشروع الأميركي، كما أنَّ النظام العربي لم يكن مهيّئاً لطرح مشروع إصلاح.

الولايات المتحدّة فشلت أيضاً في إنتاج مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الجديد" الذي تم استلهامه من شمعون بيريز، ثم تم إنتاج نسخة محدّثة من هذا المشروع ظهرت على هيئة "الربيع العربي" وبعدما فشل هذا المشروع بعد الإخفاقات المريعة لتجربة الإخوان المسلمين في الحكم.

وبعد كل هذه النسخ المكرّرة ظهرت النسخة النهائيَّة من هذا المشروع بوجهها المكشوف والمتمثّلة بصفقة القرن. وإذا ما حاولنا أنْ نستكشف العامل المشترك بين كل هذه النسخ السابقة فإننا سنرى أنَّ التفكيك هو الهدف النهائي للاستراتيجيّات الغربيَّة في منطقتنا. والتفكيك هنا يعني إعادة المجتمعات العربيَّة إلى حالة ما قبل الدولة، أي القضاء على الدول المركزيّة الرئيسيَّة في الوطن العربي وتفتيتها إلى كيانات أصغر وأضعف.

وهذا يقود الى تصفية القضيّة الفلسطينيّة تصفية نهائيّة وتوزيعها على جهات عربيّة وإقليميّة متعددة، وبدا واضحاً أنَّ الإدارة الأميركيَّة قد وضعت الأنظمة العربيَّة أمام خياريْن أحلاهما مرُّ: إما التطبيع أو الرحيل. ويبدو أنَّ عديد الأنظمة العربيَّة لا نيَّة لها في الرحيل وبدأت تتسابق مُجبرةً نحو التطبيع. 

ترتبط التحوّلات السابقة في منطقتنا بصعود قوى سياسيَّة جديدة في العالم في حقبة العولمة. فقد ظهرت قبل انتهاء الألفيَّة الثانيَّة بعقد أو يزيد قوّة جبَّارة هي قوة الليبراليَّة الجديدة، والتي هي مزيج من الإمبرياليَّة الرأسماليَّة الغربيَّة والقوى اليهوديَّة الماليَّة والإعلاميَّة، وقد نتج عن اتحاد هاتين القوتين أعتى قوة اقتصاديَّة وعسكريَّة وماليَّة ظهرت عبر التاريخ. حيث هيمنت هذه القوة الجديدة بشكل سريع ومتصاعد على كافة مفاصل الاقتصاد والسياسة العالميَّة. وما يهمُّنا في هذه القوة الجديدة هو سياستها تجاه منطقتنا. فمن المعلوم أنّ الرأسماليَّة الغربيَّة عملت طوال العقود الماضية على الحفاظ على معظم الأنظمة العربيَّة ومساعدتها على البقاء بكل الوسائل العسكريَّة والاستخباراتيَّة والمساعدات الماليَّة، لأنَّ هذه الأنظمة التي تشكلت بعد الحرب العالميَّة الثانية كانت هي الضامن الوحيد للمصالح الأميركيَّة في المنطقة. وقد استطاعت الولايات المتّحدة عبر تحالفاتها المتينة مع هذه الدول أنْ تحقّق مكاسب هائلة في مواجهة الاتحاد السوفياتي، والاتحاد الاوروبي أيضاً. فقد حققت الولايات المتحدّة أرباحا تفوق الخيال من نفط المنطقة العربيَّة بعد الفورة النفطيَّة في السبعينيَّات من القرن الماضي.

ما الذي تغيَّر إذن، لكي تقلب أميركا ظهر المجنّ لهذه الانظمة العربيَّة القادمة وتبدأ بالبحث المستميت عن مشاريع لإسقاطها وتفتيت دولها. الأمر ببساطة، إنَّ عقيدة الليبراليَّة الجديدة تقوم على محاربة مفهوم الدولة. فالدارس لأفكار هذه المدرسة السياسيَّة – الاقتصاديَّة يكتشف أنَّ المبدأ الأساس الذي تقوم عليه هذه المدرسة هو تحييد دور الدولة وحرية الأسواق والخصخصة والدفاع عن الملكيَّة الفرديَّة بلا حدّود، وسن القوانين والضوابط من أجل تأمين هذه الحماية. وقد بدأت الليبراليَّة الجديدة عهدها بالهجوم على مفردات الرعاية الاجتماعيَّة في الغرب، وبدأت دولة الرعاية الاجتماعيَّة بالانحسار والانسحاب من الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي ومخصصات البطالة، وبدأت الرأسماليَّة في الغرب بتقليص التزاماتها الاجتماعيَّة، ما أدى إلى إضعاف الدولة في الغرب، بعد أنْ تراجع دورها الاجتماعي. كما أنَّ الدولة في الغرب بدأت تعاني من جفاف مواردها الضريبيَّة بعد أنْ بدأت الشركات المتعدِّدة الجنسيّات تهرب باتجاه دول الأطراف في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وإفريقيا، حيث الالتزامات الاجتماعيَّة والضريبيَّة والأجور في حدّها الأدنى. وعندما يتعلق الأمر بمنطقتنا فالأمر بدا أكثر عمقاً، فلم تكتف الرأسماليَّة بالإجراءات التي اتخذها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إفقار الشعوب عبر بيع القطاع العام وزيادة أسعار السلع وسحب مفردات الرعاية الإجتماعيَّة وتقليصها لمستويات خطيرة، بل إنها لجأت أخيراً لتطبيق سياسة جديدة في تفكيك هذه الدول بعد انتهاء سريان اتفاقيَّة سايكس بيكو التي حُدّدت بمئة سنة والتي عقدت في العام 1917.

هذا هو السيناريو الجديد الذي يسمى "صفقة القرن" الذي بدأت تفاصيله تظهر على هيئة مشاريع مطروحة، تتمثل بفرض الوصاية السياسيَّة والعسكريَّة والأمنية على المنطقة العربيَّة من إسرائيل، التي تتحول إلى دولة مركزيَّة في هذا السيناريو. وإذا كان القرن العشرين قد شهد عمليَّات نهب مبرمجة لثروات الوطن العربي، فإن القرن الواحدّ والعشرين يشهد عملية الترحيل الكاملة للرساميل العربيَّة وارتهان الشعوب والأرض. إنَّ السيناريوهات التي يتم تنفيذها بأساليب البلطجة السياسيَّة والتهديد الصريح هي سيناريوهات غير مسبوقة.

وأخيراً كانت وما زالت الصفقة عنوان كل مرحلة، وما بين كل صفقة وصفقة كانت هناك صفقة، كما كانت كل صفقة عبارة عن صفعة وما بين كل صفعة وصفعة هناك صعقة، ولكن في كل واحدّة مما سبق كان هناك ثابت دائم وهو الشعب الفلسطيني، رغم أنَّه كان ضحيَّة للمؤامرات على مرّ التاريخ المعاصر، إلا أنه كان على وعيّ تام بعدالة قضيَّته ونزاهة موقفه وضمير أُمَّته، أمَّا الآن فالصفعة تلقتها وجوه المتآمرين على هذا الوطن وشعبه وقيادته، وتبقى صفقة القرن مدفوعة الاجر مادياً وكرامة، وموافقة على تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت. فبالرغم من فداحة أسلحتها إلا أننا نشاهد هذه الأيام حدّتها حينما تقع على رقاب ذوي القربى، قتلاً وتقتيلاً وحصاراً.  

*دكتوراة فلسفة وفكر عربي معاصر

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024