محاولة لاغتيال الوطن
أنور رجب
التفجير الإرهابي الذي استهدف موكب دولة رئيس الوزراء واللواء ماجد فرج رئيس المخابرات العامة لا يمكن قراءته بمعزل عن قراءة واقع اللحظة الراهنة الذي تمر به القضية الفلسطينية بكل تعقيداته وتشابكاته سواء على مستوى الساحة المحلية أو الإقليمية أو الدولية، لاسيما في ظل ما يمكن أن نعتبره تفاهمات ضمنية أو صريحة بين أطراف عدة تتفق سياساتها باتجاه هدف واحد مهما بدا الاختلاف بينهم، ومهما بدت الوسائل مختلفة ومتناقضة، وهذا ما ينطبق على موضوع صفقة القرن وما يرشح من تفاصيلها، والتي تعتمد بالأساس لدى صانعيها على استمرار اختطاف غزة، والإبقاء على حالة الانقسام بين شقي الوطن، تمهيداً لفصل غزة عن الضفة وإقامة دولة مؤقتة أو دائمة في غزة، وبلا شك بأن هذا السيناريو يتقاطع مع رغبات من يحلم بإمارة ليس مهماً اسمها أو مساحتها أو من أين يتم اقتطاعها أو على حساب من يتم إقامتها، وليس مهماً الدماء التي تسفك، والأطراف التي تُقطع، ولا عدد اليتامى والثكالى، وليس مهماً انتشار الجوع والمرض والفقر والكوارث، المهم هو أن يتحقق حلم الإمارة، وهو ما يتعارض مع مفهوم المصالحة الحقيقية وإنهاء الانقسام وإعادة اللحمة الوطنية تحت راية الشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن التي ترفض الحلول المؤقتة وتعلن جهاراً نهاراً في وجه الصديق قبل العدو لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة.
هذا التفجير الإرهابي الجبان لا يمكن فهمه خارج هذا السياق، فهو يستهدف أولاً وقبل أي شيء آخر إتمام عملية المصالحة وإنهاء اختطاف غزة وعودتها لحضن الشرعية، ومن المفارقات أن يأتي هذا التفجير متزامناً مع بدء جلسات "العصف الذهني" التي دعا إليها مبعوث الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط جيسون جرينبلات تحت يافطة البحث عن حلول للمشكلة الإنسانية في قطاع غزة، وقبلها تباكى يوآف مردخاي منسق حكومة الاحتلال على غزة وسكانها، وتقاطع ذلك مع دعوات من قبل حركة حماس لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتكفل بإنهاء معاناة سكان قطاع غزة، ورددها مجموعة من السماسرة و أصحاب الأجندات غير الوطنية، وتناست الأطراف الأربعة أنهم سبب كل الكوارث والمصائب التي لحقت بأهلنا في قطاع غزة الحبيب كما تناسوا أن مشكلة قطاع غزة هي بالأساس مشكلة سياسية وليست إغاثية أو إنسانية، هذا في الوقت الذي ذهب فيه رئيس الوزراء واللواء ماجد فرج ووزير سلطة المياه لافتتاح واحد من أهم مشاريع البنية التحتية الحيوية والاستراتيجية (محطة معالجة المياه العادمة في شمال قطاع غزة)، وهذا هو الفرق بين من يختطف غزة ويتاجر بمعاناة سكانها وبين من يعمل لإنهائها.
إن مسؤولية حماس عن محاولة الاغتيال الإرهابية لا يأتي فقط من كونها تُحكم سيطرتها على قطاع غزة وهي من تدير المنظومة الأمنية فيه، وإنما من استمرارها في تبني مشروعها الموازي "الإمارة"، وبالتالي رفضها لأي نوع من أنواع الشراكة، واعتمادها خطاباً ينضح بالتكفير والتخوين وبث الحقد والكراهية تجاه المشروع الوطني ومن يتبناه، وهو ما دفعها للتهرب من تنفيذ استحقاقات المصالحة والتلكؤ في تطبيقها بحجج ومبررات واهية ومخزية، وهذا ما يفسر حملة التحريض الشرسة التي قادتها مجموعة من قيادات حماس والتي وصلت حد الدعوة إلى القتل والاعتقال بحق رئيس حكومة التوافق وأعضائها، والوفود القادمة من رام الله إلى غزة، ناهيك عن حملة التشويه والتضليل التي لا تغادر صفحاتها الإعلامية وألسنة الناطقين باسمها ضد المؤسسة الأمنية الفلسطينية وقادتها، والتي استهدفت بالدرجة الأولى اللواء ماجد فرج والمخابرات الفلسطينية، ثم كيف ننسى سوابق حماس في عمليات اغتيال قيادات أمنية في قطاع غزة والمئات من أبناء حركة فتح والأجهزة الأمنية، لا بل كيف لنا أن ننسى تخطيط حماس لاغتيال الرئيس أبو مازن قبل الانقلاب الأسود عبر أنفاق أعدتها خصيصاً لذلك، فهل أقلعت حماس عن ثقافة العنف والقتل حتى نعفيها من المسؤولية؟
إن إصرار رئيس الوزراء واللواء أبو بشار وبتوجيهات من الرئيس أبو مازن على عدم مغادرة قطاع غزة والمضي لافتتاح المشروع بعد هذه الجريمة هو أبلغ رسالة لحركة حماس ومن يدور في فلكها من المتربصين والسماسرة وغيرهم من أطراف خارجية، بان القيادة الفلسطينية لديها من الشجاعة والجرأة والاستعداد للتضحية بما يؤهلها للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني، ولن تتخلى عن استعادة قطاع غزة واستعادة اللحمة الوطنية مهما بلغت المخاطر والتحديات، ولأنها تعي أن محاولة الاغتيال الجبانة لا تستهدف الأشخاص بقدر ما تستهدف وحدة الوطن كما صرح اللواء أبو بشار، لهذا نقول إنها محاولة لاغتيال الوطن.