مصنع الملح.. يراوح مكانه منذ 50 عاما
معن الريماوي
المكان هو ذاته لم يتغير منذ أكثر من 50 عاما، لم يوضع حجر على حجر، لم ترمم جدرانه منذ العام 1967، ولا يزال الصفيح الذي بنيت الجدران منه شاهدا على قدم هذا الانشاء، لم يوسع البناء، وبقيت القدرة الانتاجية ذاتها.
كان وما زال المصنع ينتج 800-1000 طن من الملح شهريا، والطريقة البدائية التي يعمل بها لم تتطور، والاحتلال هو المعيق، ولا يسمح لإدارة المصنع بإحضار أجهزة وماكنات أكثر تطورا من الموجودة حاليا، ورغم ذلك تسعى عائلة الحلاق، وهي من مؤسسي المصنع، للحفاظ على الصناعة المحلية، رغم محدودية الموارد.
لوهلة يعتقد المار في ذلك المكان الأكثر انخفاضا في العالم، بأنه يرى ألماسا أو ياقوتا من النظرة الأولى، ولكن حينما يقترب نحوها يجد لمعان ذرات الملح التي تفترش الطريق، وصولا الى مصنع الملح الوحيد في البحر الميت.
ذلك المصنع المتواجد على مساحة 400 دونم، أقيم قبل نكسة العام 1967 بثلاثة أعوام، وتحيط به الأسلاك الشائكة، ومعسكرات الاحتلال، وكاميرات المراقبة، ويمنع من أي تطور لوقوعه في منطقة عسكرية.
يقول مدير المصنع حسام الحلاق "إسرائيل تمنعنا من تطوير المصنع، ممنوع علينا بناء أي شيء هنا، كل قطعة نرغب بها تلزمنا بتصريح خاص، وحركتنا مراقبة على مدار الساعة، ولذلك لا يمكننا تطوير القدرة الانتاجية، وتطوير الماكينات في استخراج الملح".
ويشغل المصنع في كامل عجلة انتاجه 100 مواطن على الاقل، وينتج 30 صنفا من أملاح الطعام، والأملاح الصناعية.
يضيف حسام: نحن نوفر سلعة ذات جودة عالية يتم تصديرها عالميا، يمتلك المصنع شهادات جودة عالمية، والملح طبيعي مطابق للمواصفات 100%.
يغطي المصنع الحاصل على شهادة المواصفات والمقاييس حسبما يقول الحلاق ما نسبته 70% في الاسواق المحلية، ويتم تصدير 10% من منتوجات الملح الى ألمانيا منذ 10 سنوات، وقريبا سيصدر إلى الإمارات وماليزيا.
ويمتعض الحلاق من وجود الملح الاسرائيلي في السوق الفلسطينية، رغم عدم مطابقته لشروط المواصفات والمقاييس، والذي يمنع تسويقه في اسرائيل لمخاطره الصحية، وهو ما يؤثر سلبًا على المصنع.
يتابع "هدفنا الرئيسي هو دعم الاقتصاد الوطني، وتوفير منتوج وطني لتغطية السوق المحلية، ولدينا القدرة على تغطية السوق بالضفة والقطاع بشكل كامل والاستغناء عن أي مصادر خارجية. هذا الشيء نفتخر فيه".
وعن طريقة استخراج الملح من البحر: يتم في بداية الأمر ضخ ماء البحر إلى حوض مائي رئيسي كبير يُسمى الحوض الملاحة الرئيسية، بعد ذلك، خاصة في فصل الصيف وبوجود درجات الحرارة العالية، تعمل حرارة الشمس العالية على تبخير جزء من ماء البحر الموجود في الملاحة الرئيسية.
يتم بعد ذلك ونتيجة لعمليات التبخر التي تحدث باستمرار ترسيب الأملاح تدريجيا، ثم تبدأ صناعة الملح بتنقيته من الشوائب، ثم فصله عن الماء، وصولا الى انتاج ملح ابيض صالح للطعام، وآخر صناعي لبعض المهن، مثل: الجلود، والمنظفات، تجعله يحصد من السوق المحلية أكثر من نصفه ويصدر منه إلى دول أوروبية.
وفيما بعد يتم تعبئتها، وأخذها الى مصنع التعبئة في أريحا لتوزيعها، أو تذهب الى الوكلاء لتعبئتها وتوزيعها.
وبحسب تقارير محلية واممية يفقد الاقتصاد الفلسطيني أكثر من مليار دولار سنويا بسبب منع الاحتلال الجانب الفلسطيني من استغلال ثروات البحر الميت.
"هذه المنطقة كانت قبل 67 مشاطئة للبحر الميت، لكن نتيجة تحويل الاحتلال لمنابع نهر الاردن انحصر البحر واصبح بعيدا مئات الأمتار عن الموقع، أكثر من 30% من البحر تراجع، وهو ما نضطر لمد مضخات أكبر، وهذا مكلف جدا"، قال الحلاق.
من بين العاملين في المصنع، يقف خليل جلايطة أمام ماكنة تسير فيها أكياس الملح نحوه، يحملها ويضعها بشكل مرتب في زاوية المصنع.
يقول جلايطة الذي يعمل منذ 19 عاما "إذا تأخرنا في العمل للساعة السادسة، يجب اصدار تصريح عمل، عدا ذلك يتم طرد الجميع من المصنع".
"على الرغم من الصعوبات التي يواجهها هذا المصنع منذ العام 64 الا ان منتجه لا يزال من اهم المنتجات التي تقدم الى السوق الفلسطينية، وهو يشكل قصة صمود في منطقة مسيطر عليها من قبل الاحتلال كليا". يقول جلايطة
ولا تزال عائلة الحلاق تكافح لإنتاج الملح وتغطيته محليا للسوق الفلسطينية، ويعد آخر أملٍ للفلسطيني بالبقاء في موقع استولى عليه الاحتلال، وجعله ثروة صناعية واقتصادية له.