طابو القدس
بلال غيث كسواني
"طابو القدس"، "رعاية حقوق غير المسلمين في القدس في العهد العثماني"، عنوانان يلخصان مضمون خمسين وثيقة ولوحة ومخطوطة، جمعتها مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في بيت المقدس "ميثاق"، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووكالة التنمية والتعاون التركية "تيكا".
بعض هذه الوثائق، أحضرت من الأرشيف العثماني في اسطنبول إلى فلسطين، وأخرى جاءت من أرشيف مؤسسة "ميثاق".
الوثائق، التي عرضت أمام الجمهور في معرض أقيم بمقر مؤسسة "ميثاق" في بلدة أبو ديس شرق القدس، تظهر رعاية حقوق غير المسلمين في مدينة القدس في عهد الدولة العثمانية، وتثبت أيضا التسامح الديني، الذي كان سائدا بين جميع الديانات في ذلك الزمن.
الداخل إلى بهو المعرض، تقابله وثيقة العهدة العمرية، التي وجهها الخليفة عمر بن الخطاب لأهل القدس، عندما فتحها المسلمون عام 638هـ، أمّنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم، واعتبرت العهدة واحدة من أهم الوثائق في تاريخ القدس وفلسطين.
وفي زاوية أخرى، مقابل العهدة العمرية، علقت صورة عن فرمان للسلطان العثماني محمد الفاتح، إلى بطريرك الروم في ذلك الوقت، يؤكد من خلاله الحفاظ على حقوق الطوائف المسيحية في كنيسة القيامة وأماكن عباداتهم في القدس وبيت لحم.
ومن بين الفرمانات، واحد صادر عن السلطان العثماني سليم خان، وجهه إلى طائفة الروم، عندما فتح مدينة القدس عام 1517م، يقر بحقوق الطائفة في كنيسة القيامة وبيت لحم وأملاكها وأوقافها، ويضمن حرية الزيارة والإعفاء من كافة الرسوم والضرائب، بموجب العهدة العمرية.
ويظهر بين الوثائق، حكم سلطاني إلى مستلم القدس وقاضيها، بتعيين نظّار أوقاف ومتولين وموظفين لرعاية مقامات وأوقاف الأنبياء والرسل، سنة 1573م.
وتضم الوثائق، مخططا توضيحيا لكنيسة القيامة ومساكن وقفها، يقابلها مسجد عمر بن الخطاب، وسوق الدباغة.
ومن بين الوثائق، كتب شكر موجهة من البطاركة على حسن الرعاية، بينها كتاب شكر من بطريرك الروم الكاثوليك الملكيين مكسيموس سلوم، على حسن الاستقبال الذي تلقاه متصرف صيدا والقدس، أثناء سفره من اسطنبول إلى القدس.
كذلك كتاب شكر للسلطان العثماني من سكان القدس مسلميها ومسيحييها على حسن الإدارة التي قام بها متصرف القدس حافظ باشا، خلال احتفالات المدينة بعيد الفصح المجيد واحتفالات موسم النبي موسى.
وبحسب نائب عميد مؤسسة "ميثاق" محمد الصفدي، فإن الوثائق لا تخلو من إرادات سلطانية تجاه اليهود من سكان القدس، بينها إرادة سلطانية بالموافقة على طلب حاخام باشي طائفة اليهود الحريديم، بتعمير كنيس الأبل في القدس.
وتشمل الوثائق أيضا، إرادة سلطانية تمنع هجرة وتوطين اليهود في كافة نواحي الدولة العثمانية، خاصة فلسطين، وأنه يجب اتخاذ التدابير اللازمة المتعلقة باليهود القادمين لزيارة القدس الشريف والمقيمين فيها بصورة غير قانونية.
وتتضمن الوثائق المعروضة، بعض الأحكام، أبرزها حكم سلطاني إلى قاضي القدس ومتسلمها بمتابعة الرسوم المفروضة على الزوار اليهود القادمين إلى القدس الشريف، وعدم زيادتها لسنة 1581م، كذلك حكم سلطاني آخر إلى قاضي القدس بإعفاء الرهبان من جميع الضرائب، وصدر في سنة 1690م.
وتتضمن الوثائق، كتابا من الصدر الأعظم وهو رئيس الوزراء في ذلك الوقت، بمنح الإذن لطائفة الأحباش بإنشاء كنيسة لهم خارج أسوار البلدة القديمة من القدس.
وتعرض الوثائق أيضا، إرادات سلطانية تسهل على السكان الحركة والتنقل في القدس العتيقة، ومنها إرادة سلطانية للسلطان عبد الحميد الثاني، بفتح باب حديد (باب الحميدية) بالسور الشمالي لمدينة القدس، لتسهيل دخول وخروج السكان من وإلى المدينة، ويطلق عليه الآن "باب الجديد".
ومن بين الوثائق المعروضة، رسم مسطح لكنيسة القيامة يظهر تفاصيلها الداخلية، إضافة إلى الكنائس الموجودة في ساحاتها وتبعيتها لأي طائفة، وصور أخرى للجامع العمري، وكنيسة المهد في بيت لحم لسنة 1911م.
وزير الأوقاف والشؤون الدينية الشيخ يوسف ادعيس، قال إن هذه الوثائق هي أكبر شاهد على الوجود الفلسطيني في هذه الأرض المباركة، مشيرا إلى أن "ميثاق" ستقوم بعرض آلاف المخطوطات الإسلامية العريقة، التي تحفظها، للجمهور، من أجل الاطلاع عليها.
وأكد مدير مكتب برامج فلسطين في وكالة التنمية والتعاون الدولية التركية "تيكا" بولنت قورقماز، إن المعرض بما يضمه من وثائق ومخطوطات يدل على التسامح بين الأديان، الذي كان سائدا في العهد العثماني، مشيرا إلى أن الوثائق المعروضة تم اختيارها بعناية بالتعاون ما بين رئاسة الوزراء في تركيا وتحديدا قسم الأرشيف، ومؤسسة إحياء التراث في بيت المقدس.
وأضاف أن ما تعيشه القدس من صعوبات وضغوطات على الطوائف والأديان، لم يكن موجودا في الدولة العثمانية، وأن ما تم عرضه اليوم هو جزء من التراث الحضاري الموجود في الأرشيف العثماني، الذي يضم ملايين الوثائق.