لا يؤلم الجرح..
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
بحوار ودود، اعترض صديق على كلمة الحياة الجديدة ليوم امس، بانها "تطرفت" في توصيف طبيعة وحقيقة تصريحات احمد بحر وصلاح البردويل، هذه التي ذهبت بعيدا جدا في الشطط والتجني والاتهام الباطل للرئيس ابو مازن، والاخطر انها التصريحات التي لا تصب الا في طاحونة نتنياهو وتابعه ترامب..!!
وسجل هذا الاعتراض للامانة رفضه لهذه التصريحات وادانته لها، وطالب بكتابة هادئة لمواجهتها وتعريتها، ولكن اي كتابة بوسعها ان تكون هادئة في مواجهة الكلام الخطيئة والحرام..؟؟ وأي كتابة بوسعها ان تكون باردة في هذا الاطار اذا ما ادركت مسؤوليتها الاخلاقية والمعرفية والوطنية، للرد على اصوات الخراب..!!! احد عشر عاما ونحن نحاور ونناقش باللغة الوطنية العاقلة، لاجل تحقيق امر يمكن تحقيقه بساعة واحدة، لو خلصت النوايا والغايات الوطنية عند حركة حماس، نعني طبعا قبر الانقسام البغيض، وانجاز المصالحة الوطنية.
واحد عشر عاما ونحن نتلقى طعن الكلام الحمساوي، ونعض على الجراح بالنواجذ وننادي تعالوا الى كلمة سواء، ولكن حتى الان لا حياة لمن تنادي..!!!
ولقد اجهدت القاهرة نفسها طويلا كما نعرف جميعا، وهي تتوسط لتحقيق المصالحة الوطنية، واحدث ما حققت في هذا الاطار اتفاق 21/ 10 / 2017 الذي وقعت عليه حماس، بقلم صالح العاروري نائب رئيس مكتبها السياسي، لكن مفاوضات "التهدئة" اطاحت بهذا الاتفاق، وبالجهود المصرية معا، وقالت حماس ان شروط "التهدئة" افضل من شروط المصالحة الوطنية (..!!) وما من شروط في الحقيقة للمصالحة بل هي البنود التي وقعت عليها حماس لاكثر من مرة..!! بل وذهبت حماس الى ابعد واسوأ وأخطر من ذلك، وهي تتهم بلسان احمد بحر رأس الشرعية الوطنية والدستورية، رئيس الشعب الفلسطيني، وقائد مشروعه الوطني التحرري، "بالخيانة العظمى" وتطالب بمحاكمته، فيما صلاح البردويل يدعو لثورة ضده لاسقاطه، حتى لا يذهب الى الامم المتحدة، ويتحدث باسم الشعب الفلسطيني (...!!) ومع ذلك مطلوب منا ان نظل هادئين امام كل هذا الكلام الذي لا يجرح فحسب، بل يكاد يقتل..!!
ليست الموضوعية التغاضي عن كلام خطير من هذا النوع، الدونية وحدها من تسمح بهذا التغاضي، ولسنا دونيين ابدا، وقول كلمة الحق تفرض ان تسمى الاشياء بأسمائها وان تقول "للاعور انه اعور بوجهه" كما يقول المثل الشعبي عندنا.
ثم الاتهام الباطل، ايا كانت اغراضه، جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون، وترفضه القيم الاخلاقية الرفيعة، ولا يصح الرد عليه بلغة الانتهازية التي لا تريد ان تقطع وصلا مع احد بزعم النزاهة والموضوعية والنقاش الهادئ..!! ناهيكم عن دعوات التحريض على قتل الاخ لاخيه، واشاعة الفوضى، وفقط لاغراض المصالح الحزبية الضيقة، فهذه دعوات لا ينبغي السكوت عنها، ومن الواجب الوطني والاخلاقي مجابهتها باوضح وابلغ الكلمات واكثرها ادانة وتعرية وصرامة.
لقد اكتوينا من نيران التحريض الحمساوي كثيرا، التحريض الذي اباح يوم انقلاب حماس الدموي، على الشرعية في قطاع غزة، التمثيل بجثث الضحايا، هل نذكر على سبيل المثال لا الحصر، بالشهيد سميح المدهون واطفال بعلوشة..؟؟ فكيف تمكن مناقشة هذا التحريض اذن بلغة هادئة..؟؟ هل بوسع الضحايا ان يظلوا هادئين وحراب الضغينة في خواصرهم..؟؟
لا نريد في المحصلة غير المصالحة الوطنية، بقبر الانقسام البغيض اولا، وحماس وحدها من يقف ضد هذا الهدف الوطني الضرورة، لانها لا تريد التخلي عن كرسي الحكم في غزة، قالها السنوار بصراحة شديدة ان "حماس لن تسلم غزة من الباب الى المحراب" وقبله قال هنية "خرجنا من الحكومة ولن نخرج من الحكم" فأية دلائل وادلة بعد، نحتاج للتاكيد على حقيقة مناهضة حماس للمصالحة الوطنية، لأنها لا تريد سوى كرسي الحكم، وترى ان التمكين الوطني سيحرمها من هذا الكرسي الذي تريد ادامته اليوم، باتفاق التهدئة التصالحي مع اسرائيل..!! التمكين الاسرائيلي بالتهدئة افضل من التمكين الوطني بالمصالحة، ومرة اخرى لقد قالوا ذلك باوضح الكلمات: ان شروط التهدئة افضل من شروط المصالحة..!! فباي لغة ينبغي التصدي لذلك..؟؟
لسنا اصحاب غايات خاصة، ونحن نسجل للتاريخ حقيقة هذه المواقف الحمساوية واهدافها السياسية التي لا تصب في خدمة المصالح الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني وبوسع حماس، أن تكذبنا الان اذا ما اعلنت احترامها لاحدث الاتفاقات التي وقعت في القاهرة ونعني اتفاق 21/10 / 2017 وعلى نحو الالتزام بما ورد في هذا الاتفاق والبدء بتنفيذه حتى دون النظر بورقة حركة فتح في هذا الاطار..!!
ما من احد في النظام السياسي الفلسطيني، قد راعى حماس وتقبلها بالوطنية الخالصة جزءا من هذا النظام ودافع عن حقها في المشاركة بالحكم، اكثر من الرئيس ابو مازن، وقال الكثيرون هنا لو ان حماس قدرت للرئيس هذا الموقف لصنعت له تمثالا في غزة، ولكن حماس قلبت ظهر المجن، لابسط قيم الوفاء الوطنية والاخلاقية، وليسمح لنا الرئيس ابو مازن ان نردد له ما قاله المتنبي شاعر العرب الاكبر "اذا لم يكن صفو الوداد طبيعة / فلا خير في خل يجيء تكلفا / ولا خير في خل يخون خليله / ويلقاه بعد المودة بالجفا" هل بالغنا بالوصف والتعبير والواقع اسوء من ذلك وابشع ، لكن وكما يقول المتنبي ايضا "لا يؤلم الجرح إلا من به ألم" واخيرا ثمة مثل يقول "ماذا يقول من كان الخنجر مغروسا في قلبه...!!" وحسبنا الله ونعم الوكيل.