ابتهالات الأمهات..
عماد فريج
لم تنم منال التميمي ليلة البارحة وهي تتابع الأنباء الواردة من معتقل "عوفر"، الذي يقبع فيه نجلها محمد، بعد إصابة العشرات من الأسرى واحتراق ثلاث غرف بالكامل، جراء الاقتحامات المتتالية التي نفذّتها قوات القمع التابعة لإدارة معتقلات الاحتلال على مدار يومين متتاليين.
الاقتحامات طالت كافة أقسام السجن، وعددها 10 أقسام، من بينها أقسام خاصة للأسرى الأطفال، مستخدمةً الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والغاز، والقنابل الصوتية، والهراوات والكلاب البوليسية.
التميمي، من قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، قالت وهي تحبس دموعها "إن أهالي الأسرى يترقبون لحظة بلحظة أن تصلهم أخبار تطمئنهم عن مصير أبنائهم الذين يتعرضون لجرائم وحشية من الاحتلال، في محاولة لكسر صمودهم وعزيمتهم".
وأضافت: "أيدينا مكبّلة ولا نملك سوى الدعاء إلى الله بأن يكون جميع أسرانا بخير".
وتابعت: "إننا نعيش ذات الوجع الذي يعيشه أبناؤنا داخل الأسر.. هذا وجع فلسطين.. كل فلسطين".
ويُعد محمد التميمي (20 عامًا)، واحدًا من نحو 1200 أسير بينهم 200 من الأسرى الأطفال يقبعون في معتقل "عوفر"، المقام على أراضي المواطنين في بلدة بيتونيا وقرية رافات غرب مدينة رام الله.
ويرى منسق القوى الوطنية والاسلامية في محافظة رام الله والبيرة عصام بكر، أن ما جرى في معتقل "عوفر" جزء من سياسة ممنهجة تتبعها إدارات السجون بحق الأسيرات والأسرى بهدف كسر إرادتهم وسحب كافة الانجازات التي تحققت بالدم والأمعاء الخاوية على مدار سني الاحتلال، ويندرج في إطار حرب معلنة على الأسرى وتطبيقًا لسلسة القوانين العنصرية والقرارات التي يتخذها المستوى السياسي نظرًا لما يمثّل الأسرى من عناوين للكرامة الوطنية والنضالية للشعب الفلسطيني وباعتبارهم رأس الحربة في المواجهة المباشرة مع الاحتلال.
وقال بكر لـ"وفا": "ما جرى هو مقدمة لسلسة أوسع نطاقًا خلال الفترة المقبلة، تمامًا كما هو الحال مع ما يجري خارج السجون من ارتفاع وتيرة الاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بحق شعبنا"، مشيرًا إلى أن ذلك "يستدعي تطوير العمل الشعبي المقاوم للاحتلال من أجل أوسع حملات الإسناد للأسرى والعمل دوليًا من أجل إيفاد لجنة تحقيق دولية للوقوف على حقيقة ما يجري من عدوان سافر على الأسرى والعمل على توفير حماية لهم ومتابعة قضيتهم سياسيًا وقانونيًا من قبل الهيئات الدولية لمحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها بحقهم".
من جانبه، أكد الباحث المتخصص في قضايا الأسرى عبد الناصر فراونة، أن للاحتلال وأجهزته المختلفة تاريخ أسود حافل بالجرائم التي لا تعد ولا تحصى، ومع كل فجر جديد نجد أمامنا عشرات الانتهاكات الفاضحة، ومع الوقت نكتشف جرائم ترتكب بحق الشعب الفلسطيني تفوق ما يمكن أن يتخيله العقل البشري، ولم يتوقف الأمر على المواطنين الأبرياء من أطفال وشيوخ، بل امتد ليطال المعتقلين العُزل، الذين يمارس ضدهم كل أصناف التعذيب النفسي والجسدي، وتتبع معهم سياسة الإهمال الطبي بهدف قتلهم ببطء وسياسة التجويع، وتجرى عليهم التجارب الطبية، وتمارس ضدهم الممارسات القمعية.
وذكر فراونة في بحث أصدره حول وحدات القمع الاحتلالية داخل المعتقلات، أنه في كل سجن ومعتقل على حدة فرقة خاصة من تلك الوحدات أهدافها تتعدى موضوع الحراسة والأمن، لتستهدف الأسير بذاته ومفاقمة معاناته، من خلال قمع الأسرى وإذلالهم واجبارهم على تنفيذ أوامر ادارة السجن، والقضاء على أي ظاهرة احتجاج من قبلهم بكل الوسائل، ولفرض سياسة الأمر الواقع، وإجبارهم على القبول بما يقدم لهم من قبل ادارة السجن .
وأوضح فروانة أن تلك الوحدات تقدم على اقتحام أقسام السجون وتعتدي بالضرب المبرح على الأسرى مما يؤدي في جميع الأحوال إلى اصابات، ولكن بدرجات متفاوتة وأعداد مختلفة، خاصة كسورا في بعض أجزاء الجسم كالأطراف والأنف والصدر، أو الاختناق بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع، لافتًا إلى أن تلك الوحدات مزودة بأسلحة متنوعة وحديثة منها السلاح الأبيض، والهراوات، والغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وأجهزة كهربائية تؤدي الى حروق في الجسم، وأسلحة تطلق رصاصا حارقا، ورصاص الدمدم المحرم دوليًا، ورصاص غريب يحدث آلامًا شديدة.
وتعيد مشاهد اقتحام قوات القمع لأقسام معتقل "عوفر"، إلى الأذهان الاعتداء الذي نفذته في معتقل "النقب الصحراوي" عام 2007 والذي ارتقى خلاله الشهيد محمد الأشقر من طولكرم بعد إصابته بالرصاص في رأسه.
كما أن تاريخ الاحتلال الأسود، حافل بقمع الأسرى داخل المعتقلات، ما أدى إلى استشهاد عدد منهم في انتهاك واضح للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف.
عام 1993، استشهد الأسير أيمن برهوم من رفح إثر الضرب والتعذيب، وعام 1992 استشهد الأسير أحمد بركات من نابلس نتيجة التعذيب، وعام 1990 استشهد الأسير حسام قرعان من قلقيلية جراء التعذيب والاعتداء بالغاز، وعام 1988 استشهد الأسيران أسعد الشوا من غزة وبسام السمودي من جنين، بعد إصابتهما بعدة رصاصات داخل معتقل النقب.
الخبير القانون حنا عيسى أوضح أن "اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 هي التي تنظم العلاقة بين إدارة الاحتلال الاسرائيلي والأسرى القابعين في المعتقلات الاسرائيلية"، مشيرًا إلى أنه "ما دام الأسير في قبضة العدو يجب أن يعامل معاملة إنسانية وفقًا للمواد القانونية الواردة في الاتفاقية المذكورة على اعتبار أن اسرائيل وقّعت عليها سنة 1949م ومن ثم انسحبت منها، أما فلسطين فقد وقّعت عليها منذ عام 1974 عندما أصبحت منظمة التحرير شخصا من أشخاص القانون الدولي".
وأضاف في حديث لـ"وفا": "على ضوء ذلك، يفرض على قوات الاحتلال وإدارة معتقلاتها أن تعامل الأسرى الفلسطينيين بإنسانية مطلقة لأن حظر التعذيب حق مطلق لا يجوز خرقه، ولكن سلطات الاحتلال لا تحترم الاتفاقيات الدولية ولا قرارات الشرعية الدولية".
وتابع: "إن الإضرار النفسي أو الجسدي بالمعتقل الفلسطيني يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، والمادة 8 الفقرة (ب) من نظام روما لسنة 1998 تعتبر ما تقوم به سلطات الاحتلال من قمع تجاه المعتقلين الفلسطينيين من قبيل جرائم الحرب، وبالتالي يستدعي الأمر ملاحقة مرتكبيها وإيداعهم في السجن ومحاكمتهم على فعلهم الإجرامي هذا وفق شروط المحكمة الجنائية الدولية أو وفق القوانين الجنائية في داخل إسرائيل أو من قبل المحاكم لبعض الدول التي تسمح قوانينها بملاحقة مجرمي الحرب".
ويقبع في سجون الاحتلال أكثر من ستة آلاف فلسطيني في ظروف صعبة، بينهم نحو 350 أسيرًا من غزة، فيما استشهد 206 أسرى نتيجة سياسة الإهمال الطبي داخل السجون.