في ذكرى الشقيري.. منظمة التحرير البيت الجامع للكل الفلسطيني
يامن نوباني
يصادف اليوم، الاثنين، الذكرى الـ39 لرحيل أحمد أسعد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحد أعمدة النضال الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين، وحتى رحيله في 25 شباط 1980.
تأتي الذكرى هذا العام، في خضم تحديات خارجية وداخلية كبيرة، تواجهها منظمة التحرير، ولعلها تكون التحديات الأكبر منذ نشأتها قبل 55 عاما. لكنها وبرغم التضييق والمقاطعة والحروب الاعلامية والاقتصادية والسياسية التي تشن ضدها، تستمر في مهامها الطبيعية، والتي خُلقت من أجلها، وتفتح ذراعيها للكل الفلسطيني أينما وجد.
نجت المنظمة من أفخاخ كثيرة، إقليمية ودولة حاولت اسقاطها، ومن خلافات داخلية حادة، ومن كل من حاول المساس بمسيرتها، قافزة فوق كل العقبات، من منفى إلى آخر، ومن تشرد إلى تشرد، قادت سفينة الشهداء وصانت الدماء التي سالت، وحافظت على تضحيات الأسرى والجرحى والمبعدين، ولجأ إليها جميع من قاوم.
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بحس وطني يقوم على فكرة التحرير والمقاومة الوطنية تحت عملية متكاملة تشمل جميع وسائل النضال والنهوض في الجانبين العسكري والمدني، وانطلقت المنظمة نحو تحقيق أهدافها عبر كل الوسائل والدعم المتاحين.
وعملت منظمة التحرير الفلسطينية على إنشاء بعض المؤسسات التابعة لها مثل جيش التحرير الفلسطيني، والإذاعة، ومركز الأبحاث، ومكاتب في معظم بلدان العالم، والاتحادات الشعبية الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني.
فهي المؤسسة التي تشكلت بناء على قرار صدر عن مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة بدعوة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ما بين (13-16 كانون ثاني/ يناير 1964)، القاضي بضرورة إنشاء كيان فلسطيني، في الوقت الذي كان به الفلسطينيون بحاجة إلى مؤسسة تمثلهم وتدير شؤونهم في مواجهة الأعاصير الخبيثة التي هددت باجتثاثهم وتشتيتهم.
وفي (28 أيار/ مايو 1964م) انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس برعاية الملك حسين ومشاركة كل الدول العربية على مستوى وزراء خارجية باستثناء المملكة العربية السعودية، وقد أقر المؤتمر "الميثاق الوطني الفلسطيني" والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي ختام أعماله أعلن احمد الشقيري يوم 2 حزيران/ يونيو 1964م ولادة منظمة التحرير الفلسطينية (ممثلة للشعب الفلسطيني وقائدة لكفاحه من أجل تحرير وطنه).
ولد الشقيري في بلدة تبنين الواقعة في الجنوب اللبناني عام 1908. كان والده شيخا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد. وكانت والدته تركية. عاش أحمد الشقيري في بداية حياته في مدينة طولكرم، ثم مدينة عكا، حيث كان والده يمتلك البساتين. تلقى تعليمه الأول في مدارس عكاوية، ثم التحق بمدرسة في القدس، حيث أكمل تعليمه. ثم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت.
بدأ الشقيري حياته السياسية والصحفية مبكرا، فشهد المظاهرات المنددة بإعدام الشهداء في سورية ولبنان في 6 أيار 1916. وفي شبابه انخرط في النضال ضد الانتداب الفرنسي على لبنان، فأمرت الحكومة الفرنسية بإبعاده عن جميع البلاد المشمولة بالانتداب الفرنسي. وكان ذلك في 13 أيار/ مايو 1927.
عاد الشقيري في نهاية عام 1927 إلى عكا، حيث عمل في جريدة "مرآة الشرق"، وبدأ يشارك في الندوات والمؤتمرات التي تعقد في فلسطين، ولا سيما مؤتمر يافا عام 1928. وكان عضوا في مؤتمر مدينة القدس الذي تقرر فيه تأسيس جمعيات الشبان المسلمين في كل أنحاء البلاد العربية والإسلامية.
درس الشقيري الحقوق وأصبح محاميا. وعمل مع الحاج أمين الحسيني في الحقل الوطني. وشارك في ثورة 1936 في فلسطين. وكان البريطانيون يطاردونه، فاعتقل في مدينة دير البلح في قطاع غزة، بينما كان متوجها إلى القاهرة؛ وأودع سجن القطاع، ثم سجن عكا. وبعد الإفراج عنه، رحل إلى سورية، ثم عاد إلى عكا عام 1940.
عاصر أحمد الشقيري العهدَين العثماني والبريطاني، وأحداث فلسطين وحربها، وتأسيس الجامعة العربية التي عمل فيها سبع سنوات.
وشغل أحمد الشقيري عام 1951 منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية، المكلف بالشؤون الفلسطينية. وعمل رئيسا للوفد السوري والوفد السعودي إلى هيئة الأمم المتحدة، مدة خمسة عشر عاما. وانتهى عمله في الهيئة الدولية عام 1962. دافع خلال هذه المدة عن القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين؛ وعقب وفاة أحمد حلمي عبد الباقي عام 1963، ممثل فلسطين في الجامعة العربية، اختِير أحمد الشقيري خلفا له. بعد هذا التكليف، عمد أحمد الشقيري إلى الاتصال بالشعب الفلسطيني والدول العربية؛ من أجل التحضير للمؤتمر الفلسطيني الأول، الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية ونظامها الأساسي وميثاقها. وانتُخب الشقيري رئيسا لها. ومنذئذٍ، أخذ يجوب بقاع الأرض، من أجل تعبئة الرأي العام لنصرة فلسطين؛ داعياً إلى وحدة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن دعوته إلى الوحدة العربية التي رآها طريقاً إلى تحرير فلسطين.
كان يؤمن بأن قضية فلسطين هي ملك شعبها، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في شأنها؛ وعليه أن يبني كيانه بعقله، وإرادته، وعزيمته، ولا تبنيه الدول العربية سواء مجتمعة أو منفردة؛ وإنما يقتصر دورها على دعم كفاح الفلسطينيين.
شرع الشقيري يؤسس الجيش الفلسطيني النظامي، (جيش التحرير الفلسطيني)، في قطاع غزة وبعض البلدان العربية. وتولّى تمثيل فلسطين في مؤتمرات القمة العربية، وفي المؤتمرات الدولية. وكان لا ينظر إلى المنظمة بصفتها عملاً فدائيا فقط؛ بل بادر إلى توجيه سياستها نحو بناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، بهدف تلبية حاجات الشعب الفلسطيني؛ بل جعل منها دولة توفّر جميع الخدمات للشعب الفلسطيني المشتت.
وفي عهد أحمد الشقيري، تم تأسيس العديد من المؤسسات المدنية، مثل: مؤسسة رعاية أُسَر الشهداء والمسجونين، وهي تناظر دائرة الشؤون الاجتماعية في منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تأسست عام 1965، بغرض رعاية عائلات أولئك الذين يستشهدون في مواجهة العدوّ الإسرائيلي.
وبذل الشقيري جهدا ضخما من أجل توسيع نطاق الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني؛ والاعتراف بحق هذا الشعب في العودة، وتقرير المصير، وإنشاء دولته المستقلة على أرض وطنه. ولذلك سعى إلى توطيد علاقة المنظمة بدول العالم، ولا سيما الدول الاشتراكية، وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي، والصين الشعبية، التي سمحت بتدريب جيش التحرير الفلسطيني على أراضيها؛ وزارها وفد من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965.
إن علاقات المنظمة خلال تلك الفترة بدول العالم الثالث، والكتلة الاشتراكية، والتنظيمات الثورية في العالم ـ أسهمت في دعم منظمة التحرير الفلسطينية، عسكريا وماليا وسياسيا؛ إذ أصبحت القضية الفلسطينية تحتل مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.
ويمكن القول إن العمل الفدائي الفلسطيني، قد أصبح بعد يونيو 1967، بلا منازع، ممثلاً للإرادة الوطنية النضالية للشعب الفلسطيني. كذلك، تقلصت قوة تأثير الأنظمة العربية في الشعـب الفلسطيني، وبدأ بعض التنظيمات، مثل: "فتح"، تظهر بشكل واضح على مسرح الأحداث.
وافقت الوفود العربية المشاركة في دورة انعقاد مجلس جامعة الدول العربية العادية الثامنة والأربعين، 8 شباط /فبراير 1968، على تنحّي أحمد الشقيري، واختيار يحيى حمودة خلفاً له، بالوكالة، ومفوضاً إليه ممارسة كافة اختصاصاته.
لقد كان الشقيري من المؤمنين بفكرة الوحدة العربية الشاملة. ونجح إلى حد كبير، في جعل هذا الشعار هدفاً قومياً أجمع عليه كلّ الشعب الفلسطيني؛ إذ دعا في أواسط تشرين أول/ أكتوبر 1967 إلى مشروع إقامة "الدولة العربية المتحدة". قضى عمره في مواقع السياسة. وظل يناضل من أجل فلسطين.