قبل القيامة بقليل - نائل بلعاوي/ فيينا
غامضة الإشارات، وربما، سوداوية أيضا: تبدو الحالة الفلسطينية الراهنة لا تُبشر بالكثير من الأمل ولا تقود، إذا ارتضينا نظرة واقعية لإرهاصاتها وحيثياتها الصارمة، وما تمليه من وجع وغياب شبه كامل للأفق. لا تقود إلا لتعميق هذا الإحساس المسيطر باللاجدوى ومصائب الدوران حول الذات، إنه الإحساس الذي لا يستطيع المرء الفكاك من مخالبه وشروره، فما يحدث من وقائع يومية على الأرض.. ما يحيط بالفلسطيني من متاعب طال أمدها وتنوعت تجلياتها: لا بد وأن تملي عليه شروطها واقتراحاتها الكئيبة، لا بد وأن تدخله هذا النفق المعتم، وقد تربكه وتربك رؤاه.
يمتص الإحساس الثقيل، أعلاه، مبرراته غير الوردية من واقع: لا ورود فيه ولا حدائق لتنبتها، فهناك، على الأرض: تسير الحياة بآليات كارثية معدةَ سلفا ومريرة بقدر ما هي لا إنسانية بالمطلق: الحصار الكلي المفروض على الناس في الأراضي المحتلة (غزة من ضمنها أيضا)، حيث على الفلسطيني اختصار مسافات عيشه وتنقله في حدود المدن الصغيرة وقراها الأصغر، وتجميد دوافعه الطبيعية بالسفر خارج البلاد، ناهيك عن داخلها مقطّع الأوصال بفعل الحواجز وعيون الاحتلال.
تقابل حالة الحصار الجغرافي، المزمنة هذه وعلى الفور، حالة اقتصادية مرعبة وغارقة في فوضاها وأزماتها العميقة: قلة فرص العمل، إن لم يكن غيابها الكامل، في أمكنة مزق الاحتلال بصورة ممنهجة فرصها بالتطور الاقتصادي العادي، وحرم أهلها من حقهم المكتسب بتوسيع دوائر إنتاجهم وتحسين مصادره القليلة أصلا: الزراعة ومشتقاتها. بعض الحرف اليدوية الصغيرة والمصانع المتواضعة، وهي مصادر مهددة على الدوام بالخنق والتعطيل في ظل التعقيدات الإجرائية ( النقل، البيع، الضرائب) التي تفرضها إسرائيل على أصحابها، ليكون الفلسطيني والحال هذه، رهينة نبع اقتصادي واحد ومشروط، هو ذاك المتمثل بالمعونات والهبات المالية القادمة من الخارج: تحويلات الدول المانحة التي تعمل وفقا لقانون المقايضة البدائي المفروض على السلطة الفلسطينية، فحين ترضى الدول المانحة عن أداء السلطة تدفع ما ألزمت نفسها به! وحين لا ترضى لا تدفع لها شيئا!؟
يضيق الخناق على الفلسطيني في رقعة ضيقة من الجغرافيا ويعكس باطنه العنيف على مصائر الناس: تردي الأحوال الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكذلك الصحية، وليس هذا فحسب، فقد وقع الفلسطيني (مع ظهور حماس وتثبيت أقدامها في غزة وانتشار خطابها الهلامي في عموم الأراضي المحتلة)، وقع بين خيارات ورؤى متضاربة لقضيته الأم: خطاب السلام الذي تبنته السلطة الفلسطينية وعملت في حقل ألغام عظيم على تحقيقه، ولا تزال: على الرغم مما تُعلن، هي نفسها، عنه من صعوبات تخلقها إسرائيل ولا تقود إلا لإفشاله الحتمي: لا تزال تحاول. ثم خطاب المقاومة (هكذا يُطلق عليه )! الذي تعلن عنه حماس، وهو الخطاب سديمي المعنى: حين يُنظر إليه بتجرد، والعصي في الوقت عينه على التفسير. فكيف يمكن للفلسطيني تفسير الانقلاب الذي قادته الحركة في غزة، ولا تزال الى اليوم، تحافظ على فعله الانقلابي المجرد، وليس الإصلاحي الذي جعلته شعارا لانقلابها!؟ وترفض، في السياق عينه، فكرة الوصول الى مخرج تصالحي يرضي أطرافه، ويرضي قبلهم، وهذا هو الأهم والأجدى، مكونات الذاكرة الفلسطينية الغارسة جذورها في تربة واحدة ووحيدة هي التراجيديا الجمعية التي شكلت حياة هذا الشعب، وليس ما يُلقى عليه من مشاريع غريبة تمزق وحدته (ذاكرته الجمعية) وتتقاذفه، بلا رحمة أو وجل، بين هذا الخطاب وذاك!؟
سوداوية هي الحالة الفلسطينية القائمة، وذاهبة هي، لا محالة، نحو قيامتها القادمة، إذ لا يمكن للفلسطيني، بل يستحيل أن يواصل سيره، الذي نراه الآن، على هذي الطريق المعتمة... الموحشة.. وبلا أفق واضح أو أمل، وقد نكون اليوم تحديدا، بالتناغم الطبيعي مع الحراك البهي في دول الجوار. وأمام هذا العسف الإسرائيلي الغبي والمستمر.. أمام ما صرنا إليه بالمجمل، قد نكون الآن، على بعد خطوات قليلة فقط: من لحظات القيامة المُشتهاة.
يمتص الإحساس الثقيل، أعلاه، مبرراته غير الوردية من واقع: لا ورود فيه ولا حدائق لتنبتها، فهناك، على الأرض: تسير الحياة بآليات كارثية معدةَ سلفا ومريرة بقدر ما هي لا إنسانية بالمطلق: الحصار الكلي المفروض على الناس في الأراضي المحتلة (غزة من ضمنها أيضا)، حيث على الفلسطيني اختصار مسافات عيشه وتنقله في حدود المدن الصغيرة وقراها الأصغر، وتجميد دوافعه الطبيعية بالسفر خارج البلاد، ناهيك عن داخلها مقطّع الأوصال بفعل الحواجز وعيون الاحتلال.
تقابل حالة الحصار الجغرافي، المزمنة هذه وعلى الفور، حالة اقتصادية مرعبة وغارقة في فوضاها وأزماتها العميقة: قلة فرص العمل، إن لم يكن غيابها الكامل، في أمكنة مزق الاحتلال بصورة ممنهجة فرصها بالتطور الاقتصادي العادي، وحرم أهلها من حقهم المكتسب بتوسيع دوائر إنتاجهم وتحسين مصادره القليلة أصلا: الزراعة ومشتقاتها. بعض الحرف اليدوية الصغيرة والمصانع المتواضعة، وهي مصادر مهددة على الدوام بالخنق والتعطيل في ظل التعقيدات الإجرائية ( النقل، البيع، الضرائب) التي تفرضها إسرائيل على أصحابها، ليكون الفلسطيني والحال هذه، رهينة نبع اقتصادي واحد ومشروط، هو ذاك المتمثل بالمعونات والهبات المالية القادمة من الخارج: تحويلات الدول المانحة التي تعمل وفقا لقانون المقايضة البدائي المفروض على السلطة الفلسطينية، فحين ترضى الدول المانحة عن أداء السلطة تدفع ما ألزمت نفسها به! وحين لا ترضى لا تدفع لها شيئا!؟
يضيق الخناق على الفلسطيني في رقعة ضيقة من الجغرافيا ويعكس باطنه العنيف على مصائر الناس: تردي الأحوال الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكذلك الصحية، وليس هذا فحسب، فقد وقع الفلسطيني (مع ظهور حماس وتثبيت أقدامها في غزة وانتشار خطابها الهلامي في عموم الأراضي المحتلة)، وقع بين خيارات ورؤى متضاربة لقضيته الأم: خطاب السلام الذي تبنته السلطة الفلسطينية وعملت في حقل ألغام عظيم على تحقيقه، ولا تزال: على الرغم مما تُعلن، هي نفسها، عنه من صعوبات تخلقها إسرائيل ولا تقود إلا لإفشاله الحتمي: لا تزال تحاول. ثم خطاب المقاومة (هكذا يُطلق عليه )! الذي تعلن عنه حماس، وهو الخطاب سديمي المعنى: حين يُنظر إليه بتجرد، والعصي في الوقت عينه على التفسير. فكيف يمكن للفلسطيني تفسير الانقلاب الذي قادته الحركة في غزة، ولا تزال الى اليوم، تحافظ على فعله الانقلابي المجرد، وليس الإصلاحي الذي جعلته شعارا لانقلابها!؟ وترفض، في السياق عينه، فكرة الوصول الى مخرج تصالحي يرضي أطرافه، ويرضي قبلهم، وهذا هو الأهم والأجدى، مكونات الذاكرة الفلسطينية الغارسة جذورها في تربة واحدة ووحيدة هي التراجيديا الجمعية التي شكلت حياة هذا الشعب، وليس ما يُلقى عليه من مشاريع غريبة تمزق وحدته (ذاكرته الجمعية) وتتقاذفه، بلا رحمة أو وجل، بين هذا الخطاب وذاك!؟
سوداوية هي الحالة الفلسطينية القائمة، وذاهبة هي، لا محالة، نحو قيامتها القادمة، إذ لا يمكن للفلسطيني، بل يستحيل أن يواصل سيره، الذي نراه الآن، على هذي الطريق المعتمة... الموحشة.. وبلا أفق واضح أو أمل، وقد نكون اليوم تحديدا، بالتناغم الطبيعي مع الحراك البهي في دول الجوار. وأمام هذا العسف الإسرائيلي الغبي والمستمر.. أمام ما صرنا إليه بالمجمل، قد نكون الآن، على بعد خطوات قليلة فقط: من لحظات القيامة المُشتهاة.