حكاية لا بدَّ منها
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
تحت شعار "لأجل فلسطين نتعلم"، بادرت مجموعة من طالبات مدرسة البيرة الثانوية، وبإشراف معلمتهم أريج عطايا، لتأليف كتاب تحت عنوان "قدوتنا رئيسنا" وقد فعلن ذلك بعد قراءتهن لعدد من كتب الرئيس أبو مازن، كان الرئيس أهداهنَّ هذه الكتب في استقباله لهنّ قبل عام تقريبا، والكتاب البسيط لا يحمل سوى ملخصات من كتب الرئيس، وبعض مما قيل عنه وفيه، وبعض من أقوله إلى جانب سيرته الذاتية، ولم تطرح الطالبات ومعلمتهن هذا الكتاب كي يكون جزءا من المنهاج التربوي الفلسطيني، وإنما كمقترح سعي لا منهجي في البحث والاطلاع المعرفي، من اجل تعزيز الثقافة الوطنية، وتأصيل وعي الصراع بإدراك مرتكزاته الفكرية والسياسية، بين طلبة المدارس الثانوية، فهذا ما يساهم في تخليق وعي الدولة، ليثري مسيرة الحرية والنضال الوطني، التي تفخر بها فلسطين التي من أجلها نتعلم.
هذه باختصار حكاية هذا الكتاب الجميل في معناه وغاياته الوطنية والمعرفية الأصيلة، ولم يكن مفاجئا أن تطالب حركة حماس بإعدام هذا الكتاب، المطالبة التي جاءت على لسان صلاح البردويل، لأن حماس الاخوانية لا تريد غير المرشد العام قدوة، هذا الذي يقبّل قادة الجماعة يده كمثل ما تقبل العصابات المافيوية يد عرّابها..!! ومن حيث لا تقتدي حماس بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تطرح شعار الجماعة "الرسول قدوتنا" الشعار الذي استغرب الباحث في الشؤون الاسلامية د.حسني عايش ان تستخدمه جماعة الاخوان المسلمين بشكل مطلق وجاء ذلك في مقالة صحفية له نشرت في صحيفة الغد الاردنية قبل سنوات، فمن وجهة نظره انه لا يصح طرح هذا الشعار بالمطلق، فالاقتداء بالرسول لا يجوز في كل شيء، وضرب مثالا على ذلك انه لا يحق للمسلم الاقتداء في عدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، اللاتي تجاوزن الأربع زوجات، كما لا يطلب منا –يقول عايش- الاقتداء به، صلى الله عليه وسلم، بالأمية، إذا كنا من اصحاب تفسيرها بعدم الكتابة والقراءة، ولحل الإشكال في موضوع القدوة كتب الدكتور عايش "يجب تحديد ما نقتدي بالرسول به، فنقول: قدوتنا في الصدق، وقدوتنا في الأمانة، وقدوتنا في البر وقدوتنا في المحبة وقدوتنا في الخير وهكذا، واقتدى به في المعجم الوسيط: فعل مثل فعله تشبها به.
لقد عاب الدكتور حسني عايش على جماعة الاخوان المسلمين استخدام هذا الشعار بالمطلق، وهم الذين كما كتب يقدمون أنفسهم كقادة للاسلام وحماة له ...!! وفي هذا النقد ندرك مستوى الانتهازية الذي تتعامل به جماعة الاخوان المسلمين مع قيم التربية الاسلامية ومفاهيمها، واستخدامها لهذه القيم والمفاهيم على نحو انتهازي بغيض، فلم نرَ حتى الآن اقتداء من حماس بالرسول الكريم من حيث القيم الاخلاقية التي كرسها صلى الله عليه وسلم، الصدق والامانة والبر والتقوى والخير والمحبة، ولهذا فإنها لا تجد غير ان تتماهى مع نهجها في الكذب والتزوير والوقوف ضد كل مبادرة ابداعية، تستهدف تعزيز مسيرة النضال الوطني، الساعية في دروب مشروعها التحرري، ولأن كتاب الطالبات النجيبات لا يريد غير الاقتداء بمنهج الرئيس أبو مازن لا في التفكير والبحث والدراسة فقط، وإنما في تأصيل الموقف الوطني النضالي، بالمعرفة السليمة التي تقود الى خطوات صحيحة في مسيرة النضال الوطني، وهذا بالقطع ما لا يناسب حماس، ونفهم ذلك تماما، لكن ما لانفهمه ولا نقبله في الوقت ذاته، ان يرضى عدد من المثقفين على أنفسهم الانجرار وراء موقف حماس الذي اطلقه البردويل، الذي جعلهم في المحصلة صوتا له (...!!) في عريضة حملت مجموعة من الأسماء، لم يعرف بعض اصحاب هذه الاسماء ان العريضة موجودة اصلا ...!! وبعضهم الآخر حاول تبريرا لا مكان له من الاعراب، إذ هو معترض لا على الكتاب، وإنما على مبدأ تأليه الاشخاص، والكتاب لا يشي بذلك، لا من قريب ولا من بعيد، ثم إن القدوة لطالما كانت صفة بشرية، ولا يمكن ان تكون صفة إلهية، والله العلي القدير منزه عن ذلك، وهو الخالق العظيم ونحن عباده الصالحون، إذا ما ادركنا الخير والمحبة والصلاح والصدق والبر والتقوى، ولأن القدوة صفة بشرية، تظل مطلوبة دائما، فأن يكون القائد قدوة، فهذا من ضرورات حسن المسيرة التي يقودها القائد، ليس ثمة حتى شبهة تأليه في كتاب طالبات مدرسة البيرة الثانوية، إنه كتاب دلالات إن صح التعبير، وعدا ذلك يعرف الجميع اعداء وخصوما ووطنيين، ان الرئيس أبو مازن، الذي يناهض كل نص استهلاكي، وكل خطاب شعبوي هو ابعد ما يكون عن الرضا والقبول بأية محاولة لتقديس الأفراد، وهو يرى في معنى فلسطين القضية والمظلمة والنضال التحرري والتطلع الانساني قدوته، ولهذا يتجلى في سلوك الصدق والأمانة والتقوى، ولأنه هو الذي يريد منا جميعا ان نتعلّم من اجل فلسطين، وأن نتعلم من اجلها حتى تسترد كامل حقوق شعبها المشروعة وان تحقق كامل اهدافه العادلة في الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية في الدولة السيدة.