شباب غزة .. الهروب الى "الجنة الموعودة"
زكريا المدهون
في عام 2016 أضرب سعيد لولو (32 عاما) عن الطعام لمدة 35 يوماً متواصلة للحصول على فرصة عمل، لكنه لم يحصل الا على عمل مؤقت (بطالة) لمدة ثلاثة شهور.
بعد مرور ثلاث سنوات لم يتغير شيئا في حياة خريج العلاقات العامة والاعلام عام 2007، ما دفعه إلى التفكير الجدي بالهجرة خارج قطاع غزة لتحقيق أحلامه والبحث عن مستقبل أفضل فقده في وطنه.
سعيد لا يملك ثمن تجديد جواز سفره، وغير قادر على الزواج وتحقيق نصف دينه كما يقول لـ "وفا".
سعيد واحد من مئات بل من آلاف الشبان الغزيين الذي يفكرون بالهجرة خارج القطاع، هرباً من الواقع المرير الذي يعيشون في ظل الحصار الاسرائيلي وبالتالي انعدام فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة لا سيما في صفوف خريجي الجامعات.
آلاف الشبان نجحوا بالهروب كما يقولون من "سجن غزة المركزي" وصولوا الى شواطئ أوروبا بحثا عن "الجنة الموعودة"، وهناك آخرون قضوا غرقا في مياه البحار والمحيطات بينهم نساء وأطفال.
بعد العدوان الاسرائيلي في 2008 خرجت أسر بأكملها هروبا من غزة بحثا عن "الأمن المفقود" وتسللوا حينها بطرق غير شرعية عبر الأنفاق الأرضية مع مصر، لكن العديد منهم ما زال مصيره مجهولا لا يعرف ذووهم عنهم شيئاً.
يقول سعيد: "إنه يريد الهجرة المؤقتة وعدم ترك الوطن الى غير رجعة، والعودة بعد تكوين نفسه للمساهمة في بناء وطنه المقسم".
لا توجد احصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، الا أن تقارير صحفية اسرائيلية كشفت النقاب عن 35 ألفاً تركوا غزة في 2018 بينهم 150 طبيباً.
وتفرض اسرائيل حصارا على قطاع غزة منذ أكثر 12 عاماً، ما أدى الى تدهور في جميع مناحي الحياة وخاصة الاقتصادية.
لكن الشاب لولو أكد أن الانقسام البغيض هو السبب الرئيس لجميع مشاكل قطاع غزة، وأن أنهاءه هو الحل الوحيد لمعاناة أكثر من مليوني شخص.
وتابع: "عندما تخرجت من الجامعة كان الانقسام في بدايته واليوم بعد مضي 12 عاماً كلها ضاعت من عمري سدى"، لافتا الى أن جميع أحلامه وطموحاته تحطمت على صخرة الانقسام.
وأشار لولو الى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع الشبان الى الهجرة، متسائلا كيف يكون شعورك كشاب ولا يوجد في جيبك شيقل واحد، أو تنتظر أن تأخذه من والدك اذا توفر لديه هو الأخر.
وتبلغ نسبة البطالة في قطاع غزة حوالي 52%، وأن 300 ألف شخص عاطل عن العمل، بينما تبلغ نسبة البطالة بين الخريجين في الفئة العمرية من (20-29 سنة) 69%، ومعدلات الفقر 53%.
الخروج من غزة الى العالم الخارجي يمر فقط عبر معبر رفح البري، ولتحقيق ذلك يحتاج من يريد ذلك الى آلاف الدولارات للتنسيق وما شابه ذلك.
وهناك العديد من الحالات تعرضت للابتزاز والسرقة وخاصة من قبل "المهربين"، للوصول الى أوروبا.
وتعّد تركيا وبلجيكا واليونان الدول الأوروبية التي يحبذها المهاجرون الغزيون.
غياب الحريات العامة لها دور في دفع الشباب الى الهجرة حسب لولو، مشيرا الى أنه يتم ملاحقة الشباب من قبل أجهزة "حماس" الأمنية عندما يطالبون بحقوقهم التي كفلها القانون الأساسي.
وأوضح أنه اعتقل عشر مرات، ووقع على "تعهدات" خلال مطالبته بحقوقه كشاب وخريج، منوها الى أنه خلال اضرابه المفتوح عن الطعام في 2016 تم اعتقاله أيضاً.
وتعرض قطاع غزة لثلاث حروب في أعوام 2008 و2012 و2014، اضافة الى جولات تصعيد على فترات مختلفة خلفت آلاف الشهداء والجرحى وتدمير المباني والمنشآت والبنى التحتية.
من جهته، أرجع الناشط الشبابي محمود أبو زنادة "ظاهرة الهجرة" الى الوضع القائم في قطاع غزة وانعدام الأفق أمام الشبان، مشيرا الى تدهور الحياة في القطاع وانتشار البطالة والفقر وانعدام فرص العمل والتوظيف للخريجين.
وشدد على ضرورة التفكير جيدا قبل اتخاذ القرار بالهجرة لأنها طريق محفوفة بالمخاطر قضى العديد منهم حياتهم أثناء محاولاتهم الوصول الى شواطئ أوروبا.
ودعا أبو زنادة، الى ضرورة انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية لحل جميع المشاكل التي يعاني منها سكان القطاع، مشيرا الى أن الشباب هم أكثر الفئات تضررا من استمرار الانقسام وأن أحلامهم ضاعت خلال سنواته السوداء.
وخلال المسيرات السلمية التي انطلقت قبل أكثر من عام استشهد أكثر من 300 مواطن منهم 59 طفلا و10 سيدات، و122 بترت أطرافهم السفلية و14 أطرافهم العلوية.
من جهته، قال أمين سر هيئة العمل الوطني محمد الزق: "إنه لا يمكن فصل ظاهرة الهجرة عن الواقع المأساوي المعاش في قطاع غزة وخاصة جيش البطالة التي باتت تشمل الكل من شباب وخريجين".
وأضاف لـ"وفا"، "هناك آلاف الخريجين باتوا ضيوفا دائمين على الرصيف لا يستطيعون توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة من زواج وغيرها ولهذا السبب يفكرون بالبحث عن مستقبل أفضل".
وتابع الزق: "انعدام الاستقرار والأمن الاجتماعي وانغلاق الأفق كل ذلك يدفع الشباب الى التفكير بالهجرة خارج الوطن"، مشيرا الى أن انعدام الحريات وعمليات القمع ضد الشباب والخريجين المطالبين بحقوقهم تدفعهم للهروب من هذا الواقع المرير والبحث عن حياة أفضل.
وتطرق الى هروب الكفاءات من أطباء ومهندسين وغيرهم للبحث عن ظروف وشروط عمل انسانية تتوافق مع مؤهلاتهم خبراتهم.
وأكد الزق أن انهاء الانقسام ووجود حكومة شرعية واحدة تحكم في قطاع غزة هو الحل الوحيد لحل جميع الاشكاليات المأساوية لأهالي قطاع غزة.
وخلال السنوات الماضية، تعرض عديد رجال الأعمال والتجار لانتكاسات كبيرة فمنهم من ترك غزة والعشرات ملاحقون على ذمم مالية.
خبير العلاقات الدولية والاقتصاد لؤي السقا، حذر من خطورة هجرة رؤوس الأموال والمستثمرين الى خارج الوطن.
وأضاف السقا لـ"وفا"، "هجرة رؤوس الأموال لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد الوطني، وهي التي تستثمر محليا في انشاء وبناء المصانع وبالتالي تشغيل الخريجين والعمال وتساعد في دوران عجلة الاقتصاد".
وبخصوص الأرقام الاسرائيلية حول عدد المهاجرين لقطاع غزة، قال السقا: إنه مبالغ فيها رابطا ذلك بالأعداد التي تغادر القطاع يوميا عبر معبر رفح، مقدرا عدد من هاجروا العام الماضي بعشرة آلاف شخص.
وأرجع أسباب الهجرة الرئيسة الى حالة اليأس والاحباط التي تسود القطاع لا سيما في صفوف الخريجين، والناتجة عن الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع معدلات البطالة اضافة الى الحروب والاعتداءات الاسرائيلية.
وأشار الى غياب البرامج التشجيعية لبناء الانسان والشباب في غزة بسبب الحصار الاسرائيلي، لافتا الى أن أخطر انواع الهجرة هي غير الشرعية التي تتم بواسطة السفن وتعرضهم للخطر والموت.
ولفت السقا الى تصريحات رئيس الوزراء محمد اشتيه حول مقترح انشاء كلية للتدريب المهني الشباب والتحول من حالة الاستهلاك الى الانتاج والبناء.
وشدد على أهمية انهاء الانقسام ورفع الحصار الاسرائيلي والسماح بإدخال المعدات والآلات الحديثة الى القطاع.