قلم أبو مازن وقرشه الأبيض
بقلم غازي العريضي
السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان قال في بداية الشهر الحالي: "في ظل ظروف معينة أعتقد أن إسرائيل تملك الحق في المحافظة على جزء، لكن على الأغلب ليس الكل، من الضفة الغربية". وذلك في إطار الاستعدادات لإعلان "صفقة القرن" التي تتضمن هذا البند، قبل انعقاد "ورشة البحرين الاقتصادية"، المعتبرة نقطة الانطلاق نحو الصفقة. بطبيعة الحال أثار هذا الموقف موجة غضب في صفوف الفلسطينيين. اعتبروه "جريمة حرب"!! مسؤول في الإدارة الأميركية تهرّب من التعليق بالقول: "موقف الإدارة حيال المستوطنات لم يتغيّر" !! "إسرائيل لم تطرح أي خطة لضم أحادي الجانب لأي جزء من الضفة"!! هذا لا يلغي أن أميركا في الخطة أعطت الضوء الأخضر المسبق !!
في إسرائيل رئيسة حزب ميرتس المعارض تمار زندربرغ قالت: "طالما أن فريدمان هو سفير للولايات المتحدة في إسرائيل وليس في دولة المستوطنات، عليه أن يفهم أن الضم هو كارثة على دولتنا. السلام هو مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يعيشون هنا حتى لو قررت الإدارة الأميركية خدمة اليمين المتطرف فقط". ودعت الحركة الى إقالة السفير من منصبه.
وقال إعلاميون وسياسيون في المعارضة: "إن أميركا تخدم مصالح نتانياهو السياسية والشخصية. والرئيس ترمب لا يعرف التاريخ ولا أنهار الدم التي سفكت في كلا الجانبين ويسمح لنتانياهو أن يقوده ..." جماعة نتانياهو، العارفون بخفايا الأمور قالوا: "فريدمان ليس صبياً في السياسة. هو محام كبير وإنسان ذكي ويعرف ماذا يقول. وما قاله ليس زلة لسان أو تعبيراً عن أمنية. لم يقل أموراً تتعارض مع موقف رئيسه ترمب. لقد أدلى بأقوال رؤسائه. إنه أكثر المقربين من ترمب وعائلته".
اليوم خرج جيسون غرينبلات مبعوث ترمب إلى المنطقة وقال بوضوح: "فريدمان عبّر بشكل رائع. وأنا أؤيد تعليقه"!!
في الأساس لم يكن ثمة مجال للشك، لأن الموقف الأميركي واضح في الخطة التي نشرت منذ مدة. تأييد كامل لضم أجزاء أساسية من الضفة. المسألة كانت مسألة توقيت. كانوا يعتقدون أن مؤتمر المنامة سينجح. سيضع اللبنة الأولى لمشروعهم. فوجئوا بالفشل المسبق. وفوجئوا بفشل نتانياهو في تشكيل الحكومة، فأجلوا الإعلان عن مشروع الصفقة إلى ما بعد نهاية الصيف، أي إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وثمة غضب في أميركا وإسرائيل من التطورات والتحركات الفلسطينية التي أحرجت كثيرين وحالت دون نجاح الورشة البحرينية قبل أن تنطلق أعمالها. وخصوصا موقف رئيس السلطة أبو مازن الذي بدا الأكثر تشدداً في رفض الصفقة والمشاركة في البحرين.
في إسرائيل صدرت مواقف رسمية من داخل حكومة الإرهاب تدعو إلى ضم الضفة. أبرز ما جاء على لسان نائبة وزير الخارجية تسيبي حوتوبيلي التي قالت: "الضفة ملك الدولة العبرية". وحان الوقت "لفرض القانون الإسرائيلي على المناطق "ج ". (60 % من مساحة الضفة) وأضافت: "لا يجوز استخدام كلمة ضم. يجب استخدام مصطلح سيادة. لأن الضم يعني أن تضم شيئا لا يخصك. لكن السيادة تعني أن الأرض لك" !!
أما التصريح الأعنف والموجه بشكل خاص إلى أبو مازن فقد جاء على لسان "وزير الأمن الداخلي" غلعاد أردان الذي قال: "في الوقت الذي تؤذي فيه السلطة الأسر الفلسطينية وتقوّض اقتصادهم (محاولة تحريض فاشلة) فإنها تبذل كل جهد ممكن لتقويض الورشة الاقتصادية للرئيس الأميركي وعلى عباس أن يدفع ثمن تعنتّه ".(محاولة تحريض الرئيس الأميركي ضد أبو مازن وتغطية ما يمكن أن يفعلوه معه) وأضاف: "من غير المعقول حقا أن تكون السلطة هي التي تقود معارضة هذا الجهد. لقد حان الوقت لنقول بصوت عال وبوضوح إن أبو مازن الذي يدعم الإرهاب ويحرّض على القتل ويشجّع المقاطعة بل التعايش يجب أن يخرج من المسرح العالمي وأن يعود إلى المنزل". ودعا إلى تطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية.
هذا الموقف يذكّر بما فعلوه مع الشهيد ياسر عرفات. حمى الله "أبو مازن" الذي أحسن فعلا ومعه منظمة التحرير برفض ورشة المنامة وصفقة القرن سلفا. وهو الذي قام بحركة دبلوماسية سياسية إعلامية ترافقها حركة شعبية ميدانية تؤكد وحدة الموقف الفلسطيني الرافض لأي خطوة تسعى الى تصفية القضية الفلسطينية.
إن المواقف الإسرائيلية الحاقدة والمحرّضة ضد أبو مازن دليل على انزعاج قادة الإرهاب من موقفه وموقف الشعب الفلسطيني معه وبالتالي من سقوط مشروعهم المشترك مع ترمب وفريقه وهذا يؤكد مجددا أنه مهما امتلكوا من قوة وجبروت وسلاح وحاولوا وخططوا واستدرجوا إلى مواقفهم عددا من الدول العربية فإن القرار الفلسطيني هو في فلسطين. في يد الشعب الفلسطيني الذي يتمسك بحقه في تقرير مصيره ولا يتنازل عنه.
فهل يدرك هؤلاء العرب هذه النتيجة الواضحة حتى الآن؟؟
تحية إلى أبو مازن، وقلمه الذي أكد أنه لن يوقّع به أي صفقة تباع فيها فلسطين، وإلى "قرشه الأبيض" المخبأ لليوم الأسود والمخصص لعائلات الأسرى والشهداء. وتحية إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني المقاومين المتمسكين بحقهم على أمل أن يكرّس موقفهم هذا مشروعا وطنيا متكاملا لأننا لا نزال في بداية الطريق وعليهم يبقى الرهان الكبير فردّ الفعل الأميركي - الإسرائيلي سيكون قاسيا!!