من يقفز اولا من السفينة الغارقة؟
يحيى رباح
كل دول العالم بلا استثناء تتابع بدقة وبعمق ما يجري في الولايات المتحدة الاميركية، فهي الدولة الاكبر، ذات الولايات الخمسين التي بعضها يعتبر حجمها الاقتصادي اكبر من دول كبيرة في العالم، ولكن في اسرائيل التي تعتبر الولاية الواحدة والخمسين، يتابعون ما يجري باهتمام اكبر وبعمق اكبر، لان ما يجري هناك سلما او حربا، هدوءا او اضطرابا، يؤثر وجوديا على اسرائيل التي قد يكون وعد بلفور البريطاني المشؤوم قد اسس لوجودها، ولكن الذي تبني هذا الوجه وبشكل مطلق هو اميركا، والذي حافظ على هذا الوجود، ولعب كل الادوار لشرعنته هي اميركا، والذي يبتدع سياسات عدوانية صادمة لمد الوجود الاسرائيلي بكل اشكال القوة المنفلتة هي اميركا.
اميركا في هذه الايام، في نهايات الفترة الرئاسية الاولى لدونالد ترامب تغرق في احداث عاصفة، في علاقات دولية غير مستقرة، وفي حالة من التصادم الحاد مع المجالات الحيوية للآخرين سواء كانوا دولا كبرى، او شعوبا وامما لها قضايا محورية مقدسة مثل القضية الفلسطينية بشعبها وقيادته وامته العربية الاسلامية، وفي الفكاك النهائي من وحدانية القطب الدولي الذي يأخذ قرارات السلم والحرب نيابة عن الآخرين، والذي تورط فيه دونالد ترامب، سمسار العقارات الذي وصل الى رئاسة أميركا لأسباب تثير كثيرا من الجدل، هذا الجدل تصاعد كثيرا حول صفقة القرن التي طال وجودها في الرحم الأميركي دون ولادة، طال الزمن وهي عالقة، وهناك الكثيرون يؤمنون انها ماتت فعلا، وقرينتها ورشة البحرين التي ماتت بالضربة القاضية في الجولة الأولى، وتعويضا للهيبة المفقودة، فقد شن دونالد ترامب حروبا كثيرة مع دول متعددة تحت عنوان الحروب التجارية، وحروب التفرد بالقرار، فقد انسحب من الإتفاق النووي الإيراني، وزج بنفسه بدون تحضير كافٍ للسيطرة على امن الخليج الذي تدفق منه طاقة النفط التي تحرك مصانع العالم ولم يأخذ بالحسبان الكافي عمق هذه القضية لدى شعبها وقيادته على رأسه، وهذه الأجواء نقلت الاضطراب الى داخل أميركا نفسها، حيث اعلن دونالد ترامب حربا على المهاجرين، وانبثق منها حرب مجنونة ضد الإثنيات الأميركية غير البيضاء، حيث وصل المر الى الحادثين المروعين اللذين وقعا في مدة ثلاثة عشر يوما فقط في الباسو في تكساس، وفي دايتون في اهايو، ونتج عنهما قتل اثنين وعشرين أميركيا في اقل من ثلاثين ثانية، وتسعة قتلى في اقل من اربع وعشرين ثانية، فانطلقت عاصفة شديدة من الإدانات والانتقادات والاتهامات ضد دونالد ترامب، بأنه هو الذي شجع العنف المبالغ فيه، العنف الأبيض، وهو الذي تبناه، وشجعه، وشرعن سلوكياته الشاذة، ووصل به الى مستوى الارهاب الداخلي.
اسرائيل ترامب، اسرائيل نتنياهو تتابع أدق التفاصيل وإلى أين وصلت الإنذارات لسفينة ترامب الغارقة، وهل جاء الوقت لكي تقفز الفئران من السفينة الغارقة؟ وهل يكون نتنياهو أول من اعطاهم ترامب من جيب غيره بلا حدود اول القافزين من السفينة، يجب ان نتابع بكل قدرة واهتمام وقراءة معمقة، لم يعد الخوف مهربا الى النجاة، لم يعد التطبيع المجاني طريقا للسلامة، لم تعد العلاقات مع إسرائيل نوعا من الشطارة بل هي قمة الغباء والعار والهمالة، اقرأوا الصورة بعمق، إنها فلسطين تهديكم الى القيامة كلما رضختم للموت.