ضرب الصرافات الآلية بالسطو المتكرر.. يقرع ناقوس الخطر!!
عبير البرغوثي
شكلت ولادة خدمات الصراف الآلي نقلة نوعية في الخدمات المصرفية، وكان لهذه الآلة مواقف لا تعد ولا تحصى في إيجاد حلول عاجلة للمتعاملين من مختلف البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية خلال السنوات السابقة، ولسنا في صدد إثبات أهمية هذه الخدمة التي باتت من مظاهر مدنية المجتمعات الحديثة ومن أهم أدوات تسهيل إتاحة الخدمات المصرفية على مدى 24 ساعة وطوال سبعة أيام في الأسبوع، وبات وجودها من معالم تنافسية الخدمات المصرفية لأن العديد من الدول تقارن متوسط عدد السكان لكل صراف آلي، إضافة إلى انتشارها وسهولة وصول المتعاملين لها من مختلف المناطق، ولذا تسعى المصارف إلى توسيع خدمات الصراف الآلي وعددها وتوزيعها في مختلف المدن والتجمعات الفلسطينية، وباتت العديد من المعاملات والمدفوعات تتم بكل بساطة من خلال تلك الصرافات، إنها أصل وطني وليست مجرد خزنة للنقود، واستخدامها وحمايتها مسؤولية وطنية مشتركة، من البنوك وفق متطلبات وشروط إنشاء تلك الصرافات، ومن الجمهور بصفة عامة والمؤسسات الامنية بنهاية المطاف، كلنا مستفيدون وكلنا شركاء ومسؤولون عن سلامة وأمن واستمرارية هذه الأجهزة، لأن بقائها وانتظامها علامة حضارية ومصرفية مميزة.
ما يثير القلق على واقع ومستقبل هذه الخدمة المصرفية هو ما شهدته الأراضي الفلسطينية خلال الأشهر الماضية من ارتفاع لعدد حالات السطو والتعدي على أجهزة الصراف الآلي وعدد من البنوك في مختلف المدن والتجمعات الفلسطينية، ولعل بروز حالات السطو المسلح في وضح النهار من أخطر تطورات عمليات الاعتداء على القطاع المصرفي، فهي تجاوز للحالات السابقة والتي كانت تتمثل بمحاولات السرقة في الليل وبعيداً عن استخدام السلاح وتهديد وترويع حياة الجمهور والمتواجدين داخل البنوك، ففي الوقت الذي تفكر وتخطط فيه المؤسسات المصرفية ممثلة بسلطة النقد والمصارف بشكل عام، في توسيع نطاق العمليات والخدمات المصرفية لتصل الى أوسع دائرة جغرافية من التجمعات الفلسطينية، ينشط في مكان ما أفراد يخططون لتدمير هذه الجهود، وقطع الطريق على إجراءات تسهيل وصول المواطنين لأقرب خدمة مصرفية إلى مكان تواجدهم. فوفق بيانات الجهات الأمنية المختصة فقد تم توثيق نحو 4 عمليات سطو وسرقة لصرافات آلية وبنوك منذ بداية عام 2020 مقارنة بنحو 5 حالات تم تسجيلها خلال عام 2019 كاملاً، علما أنه وحسب بيانات الجهات الرسمية هناك 707 صرافات آلية على مستوى الأراضي الفلسطينية، وتكرار مهاجمة هذه المعالم المصرفية يشكل مؤشراً خطيراً وينذر بتنامي ظاهرة مدمرة للأمن المصرفي وخدمات الوصول الآمن للبنوك وأجهزة الصراف الآلي من قبل المواطنين في مختلف المدن، حالة تنذر بأن هناك خطراً كامناً وممارسات غير مسؤولة من قبل من يعبثون بأمن واستقرار نظامنا المصرفي، إنها مؤشرات وأحداث تستدعي التوقف والمراجعة من قبل المعنيين كافة للتقييم والتحليل واستخلاص الدروس والعبر واتخاذ اجراءات المواجهة اللازمة وفق أسباب وتداعيات تلك الحالات.
الملفت للنظر أن أعداد عمليات أو محاولات السرقة للبنوك وأجهزة الصراف الآلي خلال الشهر الأول من عام 2020 تكاد تساوي العدد الذي شهده عام 2019 كاملا والذي بلغ في حينه 5 حالات، الامر الذي يفتح النقاش على نقاط مهمة للتصدي لهذه الحوادث قبل ان تتحول الى ظاهرة يصعب علاجها لاحقاً، وهي مهمة لوجود شراكة في الاستفادة والمسؤولية فيما يتعلق بابعاد وأدوار ومهام الشركاء والمتعاملين والجمهور بصفة عامة في حماية هذه الخدمة الوطنية والحفاظ عليها.
نقطة البداية ترتبط بالجاهزية الأمنية وحداثة أجهزة التنبيه والإنذار وكاميرات المراقبة الخاصة بالبنوك وأجهزة الصراف الآلي، فالأصل أن تكون هذه الأجهزة حديثة ويتم اختبارها في الظروف العادية وفي ظروف الطوارئ، خاصة تحت حالات انقطاع التيار الكهربائي والظروف الجوية السيئة، لأن الجاهزية تتكشف في الظروف الصعبة وليس فقط في ظروف الهدوء، ولعل ذلك واحد من أهم الشروط والإجراءات التي يتطلبها الحصول على ترخيص لإنشاء أو بناء موقع للصراف الآلي وفق تعليمات ومواصفات محددة من قبل الجهات المختصة والمنظمة للقطاع المصرفي في فلسطين، وهي من اجراءات الرقابة التي يتم التحقق من كفاءتها وفاعليتها من خلال حملات التفتيش والمتابعة وتقارير الفحص والجودة التي يتم تنفيذها من قبل البنوك داخلياً أو من قبل الادارة الرقابية الخارجية (سلطة النقد) أيضاً، وهذا أرشيف مهم لمراجعة تقارير الفحص وتحليلها والاستفادة من كمية المعلومات التي توفرها تقارير التفتيش والصيانة، وهي فرصة لأن تكون تلك التقارير ديناميكية ومحوسبة ويمكن الوصول إليها بشكل فعال من قبل المختصين لمراجعة كافة عمليات الفحص السابقة، واستخلاص نقاط الضعف والثغرات المعالجة والعالقة بهدف تحصين الأجهزة للمستقبل.
تكرار محاولات السرقة يقرع ناقوس خطر كبير علينا جميعاً، ناقوس تكشف عنه تلك الحوادث على مستوى مدى كفاءة آلية الانذار الحالية وطريقة ربطها مع الجهات المعنية بأجهزة الشرطة لتلقي الانذارات المباشرة لعمليات السرقة سواء من الصرافات الآلية أو البنوك بشكل آني ومتزامن ومباشر مع اجراءات التدخل، أي لحظة حدوث الاعتداء أو محاولة السرقة، لأن عامل الوقت هو الحاسم في هذه الحالات لمنع السرقة او القبض على الجناة، ولكن الملاحظة التي تسترعي الانتباه تشير الى أن أجهزة الانذار أو آلية الابلاغ عن السرقة لم تكن ذات رد فوري لإعلام مراكز الشرطة الفلسطينية بوقوع عمليات السطو، وهذا مؤشر في غاية الأهمية لمراجعة الآلية الحالية التي تعتمدها البنوك، وكذلك النظر المشترك بين الطرفين لاجراءات الامن والسلامة المعتمدة من قبل المؤسسة الأمنية والقطاع المصرفي في فلسطين لحماية القطاع من المخاطر، لأن هذه نقطة مهمة ينبغي التوقف أمامها بكل مسؤولية وجدية للمراجعة والتدقيق واكتشاف الثغرات إن وجدت سواء عملية بناء وتصميم وتشغيل أجهزة الانذار المستخدمة من البنوك لاجهزة الصراف الآلي، او طريقة تشغيلها وادارتها واستجابتها للطوارئ وفق الآلية الحالية، لأن معلومات الشرطة تشير إلى انها لم تتلق خلال هذا العام أي انذارات مبكرة أو متزامنة مع حدوث عمليات الاعتداء، الأمر الذي يدعو لإعادة تقييم وفحص وتحديث أجهزة الإنذار والأمن لدى البنوك وأجهزة الصراف الآلي، والتوقف أمام السبب لعدم حساسية أجهزة الانذار وإذا كانت تعطلت فما هو السبب؟.
الجانب الآخر من تداعيات تكرار هذه الحوادث يرتبط بالدور والإجراءات العاجلة لخطط الطوارئ والاستجابة في الظروف العادية والظروف غير المستقرة لأي من الأسباب التي تتطلب أن تكون هناك عملية مأسسة منتظمة، تقوم على تفقد وإجراء فحص دوري تقوم به الجهات المسؤولة عن تشغيل وصيانة وفحص جاهزية البنوك والصرافات الآلية، وهذه عملية تقوم بها البنوك بلا شك، ولكن ربما من المفيد إعادة دراسة هذه الحوادث والتوقف أمام كيفية إجراء وتوثيق ودورية ومواعيد فحص الحساسية الأمنية لأجهزة الإنذار في البنوك وأجهزة الصراف الآلي، إضافة للقيام بتطوير الأنظمة وعدد الاجراءات وتنويعها وتغيير من يقوم بها من حين إلى آخر، وأهمية استخلاص الدروس من كل عملية سواء تعرض لها البنك مباشرة أو تعرض لها صراف آلي، لأن التعلم من التجارب ونتائج واستخلاصات الآخرين يشكل تعظيماً مهماً للاستفادة، وكذلك قد تجنب البنوك اعتداءات مستقبلية.
انها رسالة سلطة النقد باعتبارها المرجع والمنظم والمراقب والمسؤول عن سلامة القطاع المصرفي بكل أبعاده على مستوى فلسطين، رسالة تأكيد من المعنيين على أهمية التزام المؤسسات المصرفية بتطبيق كافة الاجراءات والتعليمات والتي تستند الى أفضل المعايير والممارسات الدولية الفضلى لتوفير أقصى درجات الأمن والسلامة والحماية لأجهزة ومواقع الصراف الآلي سواء في المدن الرئيسية أو التجمعات الاخرى. الى جانب المحاسبة الصارمة لمرتكبي هذه السرقات، ومراجعة قوانين العقوبات لتجنب أي تساهل أو تسامح مع هذه الجرائم مهما صغرت.
ينبغي الاشارة الى ان الحفاظ على استمرارية الخدمات المصرفية ووصولها الى كافة المتعاملين بأسهل وأقصر الطرق تشكل خدمة ومصلحة مجتمعية ووطنية من الدرجة الاولى، وكلنا شركاء في الحفاظ عليها من أي اعتداء، ولكن حينما يكون الاعتداء تحت تهديد السلاح فإن سلامة أرواح المتواجدين في المكان تكون ذات أولوية، ولكن تعاون الجميع في توفير المعلومات والبيانات عن المعتدين لصالح استخدام الجهات المختصة تقصّر الطريق على جهود الوصول لهم والاقتصاص منهم في قادم الأيام، لأنهم لا يسرقون مجرد مبلغ من المال، ولكنهم يسرقون استقرارنا ويهددون حياتنا وربما يسرقون أرواحاً كانت تنتظر فرجاً قريباً.