"أم مصطفى" الخطيب.. دروس في مواجهة العوز والكفاف
عُلا موقدي
مع مغيب الشمس، تعود الحاجة فاطمة أحمد الخطيب "أم مصطفى" إلى منزلها، بعد يوم طويل من العمل في سفوح التلال بحثاً عن خيرات الأرض من نباتات الزعتر، والميرمية، والخبيزة، والزعمطوط، وورق اللسان، واللوف، والأعشاب الطبية الأخرى التي تزخر بها جبال وسهول فلسطين في هذا الوقت من العام.
"أحب رائحة الزعتر على يدي"، قالت الخطيب، المولودة في العام 1963 في بلدة سرطة غرب سلفيت، مضيفة أن جمع الأعشاب الغذائية والطبية عادة توارثتها عن والدتها التي أفنت حياتها فيها قبل أن تتوفى بلدغة أفعى في حديقة المنزل.
وتابعت: "تزوجت في بلدة بديا غرب سلفيت، وعملت مع حماتي/ والدة زوجي، في الأرض.. نقلم الزيتون، ونجني المحاصيل، ونربي المواشي، ونصنع الحليب والجبنة، ونذهب إلى مناطق بعيدة لنحصل على المياه من الينابيع، نملأ الجِرار ونعود بها على رؤوسنا أو أكتافنا، وأجمل الأوقات كانت وقت الحصاد، كنا نزرع القمح والبيكا في مساحات واسعة.
وقبل أن ينغص الاحتلال على حياة عائلتها إثر الاستيلاء على أراضيها وتدميرها لأغراض استيطانية، كانت عائلة الخطيب تعتاش على ما كانت تنتجها أرضها من محاصيل.
تقول "أم مصطفى" الخطيب: "عندما سلب المستوطنون أراضينا أصبحنا غير قادرين على الاستفادة مما تبقى منها كما السابق، حيث اطلق الاحتلال الخنازير البرية التي تدمر المحاصيل، واستولى رويدا رويدا على مساحات اضافية من الأراضي، ومنعنا من الوصول اليها، ومنع زوجي من العمل داخل أراضي عام 48، وبتنا غير قادرين على تدبر حياتنا إلا على هذا النحو.. نقطف الأعشاب البرية من الجبال والسهول المحيطة ونبيعها في السوق".
تجمع الخطيب الزعتر من الجبال وتطحنه وتبيعه، الى جانب زراعتها مساحة صغيرة من الأرض بالكوسا والبامية والبازيلاء والملوخية والسبانخ والخس، وغيرها من الخضراوات ذات الاستخدام اليومي.
في نوفمبر من العام الماضي، اتخذت "أم مصطفى" من بيت العائلة الكبير مكاناً لعملها، تذهب اليه بعد صلاة الفجر وتبدأ بصناعة المخللات، والمكدوس، والزيتون، وتحضير الجبنة واللبنة، وتصنع الطعام، فيما يشبه ورشة انتاج صغيرة ومتنوعة.
تقول الخطيب: "أعمل وفق جدول خاص بي، وأحدد ما سأصنع في كل يوم، بدأت العمل عن طريق التوصية والطلب المسبق، واذا كان أحد الأشخاص لديه عزومة كبيرة ويُريد طعاما فلسطينياً مميزاً مثل المسخن أو المفتول يتوجه إليّ، أطبخ بكل حب واخلاص، حتى أصبح البعض يوصيني على الكنافة والكبّة وكافة أكلات المطبخ الفلسطيني."
كما لم يفت الحاجة الخطيب عمل الخبز في الطابون، الذي تركته منذ فترة قصيرة بعد أن كانت تعتمد على بيعه كأحد مصادر رزقها.. مقدمة بذلك، لبنات جيلها وبناتها وحفيداتها، دروسا في التفاني عن كيفية مواجهة العوز والكفاف في الحياة الفلسطينية.