من هو عدو (كوفيد-19)؟
عبير البرغوثي
هذا هو سؤال المليون دولار كما يقولون في المسابقات العلمية والعملية، لأن الاجابة عليه تعني القضاء على عدو لئيم، طفيلي يداهم حياتنا دون استئذان، خالقًا تحديات ومخاطر على كافة المستويات، الأحياء مهددون، والمصابون يواجهون أنياب الموت، والناجون يحملون ذكريات وآثارًا قد تعلق بين اعضائهم الجسدية لقادم الاعوام من الاعمار.
المتتبع لردود الفعل تجاه الفيروس على مستوى سكان المعمورة يلحظ ردود فعل متباينة، ويرى إجراءات مختلفة تعكس ثقافات وطرق حياة الشعوب، البعض هناك داهم المحال التجارية حتى باتت السلع اليومية بين عشية وضحاها نادرة كالذهب، وفرغت رفوف المحلات من منتجات كانت تملها العين من فترة صمودها دون تغيير على الرفوف نفسها حتى الامس القريب، ووضعت قيم الناس وقيم الشعوب والدول على محك الازمة، ولأن الازمات تكشف افضل واسوأ ما لدى الناس والدول، تنوعت الردود على نحو أكثر انحيازاً للذات (الانانية الفردية)، ونحو الاحتياجات الوطنية الداخلية لكل دولة، الكل بات يفكر في نفسه، هذه هي خارطة الردود وطبيعة الافعال، التي ستكون لها قراءات وتحاليل أكثر عمقاً في المرحلة المقبلة بعد انحسار مخاطر هذا الفيروس واتضاح صورة الواقع الذي سينتج عن كافة تفاعلات مرحلة المواجهة وما قبل الانتصار.
ما يثير القلق على المستوى الشعبي وهي من القضايا التي قد تكون تحت السيطرة اذا ما اردنا استخدامها بصورة ايجابية، تتمثل بروح التقبل الايجابي لامكانية الاصابة سواء بالخطأ او بسبب المخالطة للمصابين بهذا الفيروس، فالبعض قد يعاني الاصابة وقد يغفل عن حقيقة اصابته حتى تستفحل الامور، وتصبح فرص التدخل أضعف مما لو تم الكشف والتصرف والمتابعة الطبية وفق التعليمات الصادرة من الجهات الطبية بوقت مبكر، والأصعب من ذلك تلك الحالات التي قد تدرك احتمالية اصابتها، لكن لاسباب ليس لها اي أساس على الارض الواقع تقوم بمحاولات التغاضي او الاخفاء، تحت مبرر ذاتي يتمثل بالوهم النفسي أن الاصابة بفيروس كورونا هي "وصمة عار" ستحاصر صاحبها اجتماعياً في الوقت الراهن، وستوصمه بعلامة لا تزول على المدى البعيد مهما كانت الآثار، ولذلك قد يلجأ البعض الى التستتر الذاتي على الاصابة سواء له او لاحد المقربين اليه.
نحن بحاجة لوقفة اجتماعية شاملة امام اي فهم قد يبنى على أساس تحليل مغلوط للاصابة بهذا الفيروس، فالحملة الطبية والصحية التي تقوم بها كافة الجهات وما يصاحبها من نشاطات توعوية والحملة الاعلامية المحلية والعالمية، ليست لتخويف الناس وارهابهم، انها موجهة لزيادة معرفة الناس بكيفية مواجهة الفيروس، واتخاذ الخطوات التي من شأنها حرمان الفيروس من فرص الانتشار والتوسع، وهي اجراءات تقوم بها الجهات للحيلولة دون تفاقم عدد الحالات الذي من شأنه اذا ما حدث (لا قدر الله) ان يخلق ضغطًا على المؤسسات الصحية والطبية يفوق قدراتها، خاصة وان الدول المتقدمة وجدت نفسها غير مجهزة لأعداد كبيرة من المصابين اذا ما تفشى الوباء على نحو كارثي.
لذلك فإن الاجراءات الوقائية والاحترازية تشكل صمام الامان، واليقظة الطبية والمبادرة لاتخاذ اجراءات الابلاغ والكشف والحجز الذاتي، او لدى الجهات المختصة يمثل خطوة مهمة لمنع الفيروس من التفشي، وصمة العار ستكون لمن يتسبب بجهله وانانيته في إصابة غيره لأنه آثر إخفاء إصابته بحجة واهية، وخسر فرصة التعافي لأنه خسر فرص التدخل والمساعدة المبكرة للانتصار على الفيروس قبل استحكامه في الجهاز التنفسي وفي الرئتين، لأن محاولة الاحتماء بالانكار او التستر لا تعمر طويلاً، وسرعان ما تتكشف الاعراض وتصبح خارج السيطرة مهما بذل المصاب من جهود لاخفائها، لكن حينها يكون نقل السم القاتل لمحيطه الاجتماعي كاملاً، وأضاف المزيد من الغذاء لحياة الفيروس ليعيش وينتشر من جديد، ليست وصمة عار ان نصاب بالاذى او المرض، لكن العار يكمن في الجبن من المواجهة والتحدي ومحاولة التستر بالأعذار.
الانسان هو عدو الفيروس وهو ضحيته في الوقت نفسه، وعلى كل واحد منا الاختيار، اما ان يكون من المشاركين في الانتصار على الفيروس، او ان يكون وقودًا وغذاءً سهلاً لهذا العدو، والمساحة بين الخيارين ليست كبيرة، لكن نتائجها جداً كبيرة في الاتجاهين،اتجاه يحملنا نحو المستقبل، واتجاه يقضي علينا ويغرقنا في بحر من الاصابات والعذابات التي يخلقها كوفيد -19، نحن في أمس الحاجة وفي ظل امكاناتنا وظروفنا تحت الاحتلال، الى حماية ارواحنا ومجتمعنا، من خلال ممارسات وثقافة فردية واعية، تستند الى التقيد بالتعليمات الطبية والنصائح العلمية الصادرة عن الجهات المختصة، علينا مراعاة نمط الحياة في ظل اجراءات ضبط التنقل والتواصل والمسافات الاجتماعية اللازمة لحماية انفسنا من أي تهديد، وفوق كل ذلك علينا الانتباه والابلاغ المبكر عن اي اصابة محتملة على مستوى انفسنا او دائرتنا الاجتماعية، فالابلاغ المبكر، يمكن من التشخيص المبكر، ويمكن من اتخاذ اجراءات التدخل الطبيىة المناسبة في الوقت المناسب، وبذلك نحمي أرواحًا من أنياب الفيروس، البطولة في معرفة الخطر والتعاون مع الجهات الطبية المختصة للتصدي حسب التعليمات له، والنصر يبدأ من قناعتنا ان هناك احتمالات ان نصاب بهذا الفيروس او غيره، وهذا ليس عيبًا او عارًا، فقد يكون شهادة على تضحيتنا وشهادة على دورنا في مواجهة هذا التهديد، ولنا فيمن يصاب من الاطقم الطبية دليل على نبل رسالتهم وتعريض انفسهم للإصابة من خلال محاولاتهم المستمرة وعلى مدار الساعة لانقاذ حياة المصابين، فلو فكر الاطباء أن الاصابة لعنة او عار، لفتحت الابواب على مصراعيها أمام الفيروس لينهش حياتنا ويقضي على مجتمعاتنا في كل الاتجاهات، لكن ثقافة وأصالة طواقمنا الطبية والامنية والاعلامية المنتشرة في الميادين لأداء دورها، على قناعة انها قد تصاب، وقد تعاني من الفيروس، لكن هذا لم يمنعها من القيام بدورها، وكذلك الحال بالنسبة لكافة مواطنينا الذين يقدمون في كل يوم نموذجًاحضاريًّا لحماية أرواح ابناء شعبنا، كلها نماذج لا تعرف لليأس طريقًا، وانما لديها قناعة راسخة بأننا سنتغلب بوعينا وتعاوننا وتفهمنا لإجراءات الوقاية الرسمية، وسنقف بكل ما أوتينا من قوة متضامنين مع أي مصاب تعرض لهذا الفيروس مهما كانت الاسباب، لأننا معًا اعداء الفيروس وسننتصر عليه اليوم أو غداً أو بعد حين، وسنمضي معاً ولن نترك احدًا بيننا خلفنا، قد يصاب اي منا في اي مرحلة، وقد تظهر عليه الأعراض، لكنه سيبقى عالي الجبين كما كان وسيبقى ابن فلسطين.