السخافة كلوثة عنصرية
كتب: رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة"
لا ينقص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو غطرسة لكن على ما يبدو أن "معاهدات" التطبيع التي وقعها مع الإمارات والبحرين، زادته غطرسة وعنجهية حتى أنه خاطب المجتمع الدولي في الأمم المتحدة بازدراء وحتى باحتقار، وهو يصف الحقوق الفلسطينية المشروعة "بالمطالب غير الواقعية والسخيفة" وهو على دراية تامة بأنها الحقوق التي أقر المجتمع الدولي شرعيتها، وواقعيتها، وعدالتها في منظمته الأممية، وبقرارات عديدة، سواء في الجمعية العامة، أو في مجلس الأمن، وبما يعني أن نتنياهو وبهذه اللغة عديمة الكياسة والدبلوماسية، يتهم دول العالم في جمعيتها العامة، بالبلاهة، مزدريا إياها لأنها صادقت على قرارات تسعى لتحقيق "مطالب غير واقعية وسخيفة" ...!!!
وحدها الغطرسة في توحشها، والعنجهية في حماقتها، من ينتج لغة من هذا النوع، لغة التعالي والازدراء، لكنها بالطبع لن تكون في المحصلة غير اللغة التي لا تقنع سوى أصحابها، ولا تريح أحدا سواهم، وبقدر ما هي كذلك، بقدر ما هي لغة الوهم، التي لا تغير واقعا، ولا تنتج حقيقة، والأهم أنها اللغة التي ستظل موضع ازدراء مشروع في أوساط المجتمع الدولي، تماما مثلها مثل لغة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي باتت لا موضوع ازدراء فحسب، وإنما موضع سخرية كذلك، بحكم ما فيها من جهل وتخلف وعدوانية، وهي اللغة التي جعلت بالمناسبة من المناظرة التي جرت يوم أمس بين ترامب، ومنافسه الديمقراطي على الرئاسة جو بايدن، "أسوأ مناظرة في التاريخ" وفقا "لارون كال" الأستاذ في جامعة ميشيغان والمتخصص في المناظرات السياسية.
إنها لغة القطيعة مع الحق، والعدل، والجمال، والكرامة الإنسانية، ولعل الإمارات والبحرين، وحدهما من يصفق اليوم لهذه اللغة، وقد باتا يغنيان بالعبرية، ويثرثران بها في شاشات محطاتهم المتلفزة، والواقع حسنا يفعلان لأنهما بذلك إنما يؤكدان أن ما وقعا عليه مع إسرائيل، لا علاقة له بالتطبيع، وإنما بالتوطيد لعلاقاتهم التاريخية مع إسرائيل، والتي لم تكن أبدا علاقات دول تتصادق وتتبادل المصالح بنزاهة، وإنما علاقات أجهزة استخباراتية، بأدوات وتوابع رخيصة، عديمة الهوية القومية، والروح الوطنية، والتي لا تعرف من الصحراء العربية، سوى رمال البداوة في أشغالها الجاهلية ...!!!
ستشهد اتفاقات أوسلو وحدها، والتي اغتالها اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف أن السخافة لن تكون غير سخافة نكران الواقع والحقيقة، ولماذا أوسلو هي الشاهد اليوم على ذلك ..؟؟ ببساطة لأنها وضعت لحظة التوقيع عليها عام 93 من القرن الماضي حدا لنكران إسرائيل للحقيقة الفلسطينية، حقيقة القضية العادلة، والحقوق المشروعة، ونكران نتنياهو لهذه الحقيقة اليوم مرة أخرى، إنما هي السخافة بحد ذاتها وبأم عينيها، ولسان حالها، وقد باتت تتوهم بلغة الغطرسة والعنجهية، أنه بالإمكان إعادة التاريخ إلى الوراء ...!! والتاريخ كما يعبر عن حاله دوما، هو حركة البشرية، والطبيعة، نحو التطور وإقرار الحتميات التي لا سبيل لنكرانها، وانتصار فلسطين، واستردادها لكافة حقوقها المشروعة من هذه الحتميات، وقد رفعت قبل خمس سنوات بيد رئيسها أبو مازن علم دولتها على مقر الأمم المتحدة بعد أن تقدمت بالتاريخ خطوات كبيرة، نحو هذا الإنجاز الذي يؤكد استحالة شطب الحقيقة الفلسطينية وواقعية مطالبها العادلة والمشروعة وستظل السخافة هي كل خطاب يناهض هذه الحقيقة ويدعو لنكرانها ...!!