له من اسمه كل النصيب...
كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة......
علي أبو عليا، هو هذا الفتى الذي اتضح تماما أن له من اسمه النصيب كله، العلو، والعلى، والعلياء التي لو سألها أحد عنا ستقول للدنيا بأسرها، إنه علي الذي قال بصوت دمه "ضحك المجد لنا لما رآنا / بدم الأبطال مصبوغا لوانا"، ليس هذا أمر القصيدة، بل هو أمر الواقع والطبيعة الفلسطينية، وإنها الشهادة التي أكدها علي ابن الثالثة عشرة من عمره، الذي له وجه الوردة، وابتسامتها التي تفوح بعطر الحليب المقدس، وله عين البراءة وهي تبرق بالتطلع، فلا ترى غير الطبيعة تمتد سهولا من الحرية، الذي يعرف عن الحياة، ما تعرفه العصافير عن الفضاء، إنه يظل ممكنا برفة أجنحتها، ومثلها كان يلتقط دروسه، حبة، حبة، ولأنه كان يتجسد على هذا القدر من القيمة والدلالة والمعنى، ولأن الاحتلال الإسرائيلي لا يطيق أيا من هذا القدر، ولأنه لا يعرفه من الأساس، وقد رآه قوي الوضوح في علي أبو عليا تعمد رصاصه أن يصيبه في مقتل، رصاصات في البطن لينزف حد الموت..!!
قبل أقل من أسبوعين مر اليوم العالمي للطفل، وهو اليوم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954 من القرن الماضي، وعلى ما يبدو أنه يوم للروزنامة الطقسية فقط، لأن ستًا وستين سنة لم يستطع المجتمع الدولي خلالها أن يكرس قانونا فاعلا يحمي الطفولة بحق، من توحش العنصرية، والفاشية العسكرية، التي يسجل الاحتلال الإسرائيلي اليوم أبشع فصولها باغتياله لأطفال فلسطين، واعتقالهم الذي لا يحتمله أي قانون، ولا أي وصف أخلاقي..!! إنها جرائم حرب ولا نريد الآن غير أن يحاكمها الضمير الإنساني قبل أن توضع في قاعة محكمة الجنايات الدولية.
ثمة قائمة تطول بأسماء الشهداء من أطفال فلسطين، وإن كنا اليوم ندعو العالم، ومؤسساته الحقوقية ومحكمته الجنائية، للتصدي لمسؤولياتهم الأخلاقية، ليضع حدا لهذه الجرائم، فإننا لن نسكت عليها، ولن نقبل أن تتواصل، ولا بأي حال من الأحوال، ولن نسمح لها أن تنال من صمود شعبنا، وإصراره على المضي في دروب المقاومة لنيل حريته واستقلاله، سنزرع لكل طفل شهيد شجرة، كي نؤكد حضورهم في نموها، وازدهارها في خضرتها، ومن أجل أن تكون ثمارها، حياة أجمل لكل أطفال بلادنا، أطفالنا الشهداء، عهدنا ووعدنا والقسم، أن نبذل الغالي، والغالي أبدا، من أجل ألا تذهب دماؤهم الزكية هدرا، وحتى نسترد كامل حقوقنا المشروعة، ونحقق كامل أهدافنا العادلة، وتطلعاتنا النبيلة.
لعلي أبو عليا، ولكل أطفالنا الشهداء، ولكل أمهاتهم الثكالى، هذا العهد، وهذا الوعد، وهذا القسم، حتى نجعل من أضرحة أطفالنا الشهداء مزارات تحت رايات دولة فلسطين الحرة المستقلة. لنا الصبر والسلوان نعم، ولنا هذا الحزن النبيل الذي يكتبنا في التاريخ، شعبا للتضحيات العظيمة، التي بها تتنور الإنسانية بالحق والعدل والجمال، ووحدها ما يجعل الحرية ممكنة، ولهذا نفيض بها بلا أي تردد ولا أي تراجع.
المجد والخلود لشهداء شعبنا، رضعا، واطفالا، فتيانا وفتيات، شبانا وشابات، نساء ورجالا، والحرية لأسرانا البواسل، الأطفال منهم، والشبان والرجال، والشفاء لجرحى المقاومة الشعبية الذين كانوا بأمس في قرية المغير فرسان المواجهة بالهتاف الوطني عاليا وقويا بحجر الصمود والتحدي.
ha