للشهداء؛ والتسعة منهم هل ننتصر؟
ميساء ابو زيدان
فور الاعلان عن اتفاق وقف اطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الاسرائيلي، هناك صورتان لخصتا الموقف الذي دفع العالم بقواه واحلافه واطره الدولية واطراف في الاقليم، التدخل لِوقف جرائم الحرب التي استباحت الانسان، المُفتَقِد اساساً لمقومات الحياة بِفعلِ الحصار والواقع السياسي المازوم. الاولى؛ جسَّدت لحظةً اختلطت فيها مشاعر الانتصار والالم لما خَلَّفَته الة الحرب والدمار الاسراييلية. الثانية؛ عكستْ مستوى الدمار وحجم الفقد الذي يعيشه القطاع منذ ان أوقِف العدوان. لكن؛ كانت هنالك صورة تجمع تسعة من الشباب الغزِّي بمقتبل اعمارهم؛ دوِّنَت اسماؤهم خلال خبرٍ يشير لانتشال جثامينهم من نفقٍ شرقيّ مدينة خانيونس جنوب القطاع.
لقد كانت تلك الصورة الاشد ايلاماً، وسط عديد الاخبار والمقالات والتحاليل الصحفية وخلافه مما يعجُّ بالمشهد، الحالة التي يزدحم بها الفضاء العام (على اتِّساع مداراته) ما ان تنتهي جريمةٌ تُرتَكب بحق الشعب الاعزل. وما بين المشاهد التي وَحدَت الفلسطينيين وداعمي قضيتهم العادلة ببقاعٍ مختلفة، تلك التي نقلت فرحة بنصرٍ تحقق، وبين التسعة الذين ارتقوا للسماوات شهداء، تلاشت المقدرة للاجابة على تساول ضجَّ متربصاً بلحظة فرحٍ حقيقية؛ فهل انتصرنا حقاً، ام انّ الاحتلال الاسرائيلي الفاشيّ قد استباح الشعب بارواحه ودمائه وامان اطفاله ونسائه ومقدراته، بالقدرالذي يُثقِل كاهله، ويعيق مساره النضالي التحرري؟
وهنا؛ تبرز جدلية النصر وجدوى هدر الدم والمصائر (في الوقت الذي لم تتوقف فيه سياسات الاحتلال عن استهداف الارض والانسان)، بالشكل الذي يعكس حالة التباين المنهجي بين الاطراف الرئيسية في المكون السياسي الفلسطيني، وطبيعة ادوارها التي لم تتكامل نضالياً، لاسباب غير ذاتية بكثيرٍ من الاحيان. بل ان البعض من النخب ذهب بابعد من ذلك، حيث تناول المشهد الإسرائيلي مستخلصاً عجز الاحتلال عسكرياً وتضاول قوته الردعية! في محاولة لاجراء مقاربة غير عادلة بين الطرفين حيث الشعب الفلسطيني يناضل للتحرر من الاحتلال، ويتصدى للسياسات العنصرية في الداخل المحتل عام 1948، وبين كيان وظيفي يُعتبر فعلياً قاعدة ارتكاز لقوىً عالمية تحرص على ضمان تموضعها في الشرق الاوسط.
وبحال البحث في صور النصر فلسطينياً، مقابل هزيمة قوة الاحتلال الاسرائيلي والة حربه، وبمقاربة هي اقرب للموضوعية، وجب تناولها بما يستند فعلاً على عنصري الغاية المامولة والاهداف المحققة واقعاً، يُمكن الاستدلال عليها من خلال فهم طبيعة الاحتلال العنصرية التطهيرية التوسعية الاحلالية، حيث الوجود الفلسطيني ماثل وبتجذر، ما يفند انتصار الاحتلال ومخططاته بمختلف المراحل. امّا المختلف موخراً في ميزان الفعل النضالي؛ فقد تجلى بالهبة الجماهيرية على امتداد فلسطين التاريخية، الخسارة الفعلية التي مُنِي بها الاحتلال قادةً وموسسات، اذ ان ما تسعى قوة الاحتلال تمريره للمجتمع الدولي وتفرضها زيفاً على دول المنطقة، بانها النموذج الاوحد للدولة الديمقراطية في الشرق الاوسط، وقد سقط هذا القناع ليكشف جوهر الكيان العدائي المتطرف تكويناً. بالتوازي وما فرضه شلال الدم الطاهر، وصور ازهاق الطفولة التي كانت تترقب ممارسة طقوس عيد الفطر بفارغ الصبر، على العالم واحراره. فانتصار الشعوب العربية للحق الفلسطيني رغم عظيم التحديات التي تتربص بعديدٍ من دولها، بمشهدٍ قطع الشك باليقين بما يخص رمزية القدس ومكانة القضية الفلسطينية في وجدانها، جاء مُخالِفاً لتوقعات قادة الاحتلال بظل مسلسل التطبيع الاخير. واستحضار عدالة القضية في وعي الاحرار حول العالم، من خلال صوتهم الذي توحَّد مطالباً بالحرية لفلسطين، اعاد الاعتبار لشرعية النضال المستهدفة.
اما فيما يخص العدوان الاخير؛ وجدوى نقل الانظار عمّا يواجهه الفلسطيني في (الشيخ جرّاح) ومدينة القدس من سياسات التهجير والتهويد، والعنصرية الممارسة نهجاً ضده في الداخل المحتل، باتجاه قطاع غزة بواسطة الصواريخ التي انطلقت فور قرار محكمة الاحتلال العليا الذي صدر في التاسع من ايار الحالي، والذي نصَّ على الغاء الجلسة الخاصة بقضية الشيخ جرّاح المُقرّة في اليوم الذي يليه، الموقف الذي اعتبره مراقبون تحولا نوعيّا في موقف حكومة الاحتلال، وجاء نتيجةً للهبة الجماهيرية في القدس والمدن الفلسطينية عامةً. يجدر القول؛ بان الصورة التي التحمَ خلالها الفلسطينيون في الداخل والخارج، هي الانتصار الفعلي، الذي سيتكلل نصراً موزرا، ويحفظ للدماء التي روت الارض على امتدادها طُهرها، وسيفي للشهداء التسعة حقهم علينا، ويجسد حقيقة الفعل المُقاوِم وما ان كان مُسخراً باتجاه التحرر وتقرير المصير، من خلال لفظ الشرذمة، والتوحد خلف ارادةٍ وطنية بامكانها انتزاع الحق الفلسطيني، والتصدي للسلوكيات التي تتنافى وشرعية المقاومة الحق، كالمساس بمكانة العلم الفلسطيني كاحد عناصر هويتنا الوطنية، والفعل المُشين الذي استهدف الفلسطيني سماحة المفتي محمد حسين واستباح حرمة الاماكن المقدسة، وانتهاك انسانية ورمزية الشهيد "ياسر عرفات" الذي باتَ بكوفيته للنضال والمقاومة منهجاً ممتداً، وايقونةً يستشهد بها العالم باحراره.