يزينون لنا الطريق إلى الهاوية
د. رائد موسى
ينشط الإعلام الإسرائيلي ومنذ سنوات طويلة بمحاولات توجيه الرأي العام الفلسطيني تجاه ما يريده الإسرائيلي عن طريق بث العشرات من المقالات وتقارير معاهد الدراسات، التي تتناول الشأن الفلسطيني من الزاوية التي يريد توجيه الفلسطيني نحوها، وهو مدرك أن الإعلام الفلسطيني يتعامل مع كل ما يبث عن الشأن الفلسطيني، وينشره كأخبار مهمة (...!!)، ويتناولها الكثير من القُراء كأخبار ذات مصدر رصين وغير قابل للتشكيك (...!!) وذلك بناء على نظرية "عقدة الخواجا" حيث يرى الكثير من العرب بأن الأجنبي لا يكذب...!!!
وعلى ما سبق اذا تتبعنا النشاط الاعلامي الاسرائيلي الموجه للفلسطينيين وبمختلف ادواته نراه لا يحيد عن بث فكرتين بشكل ثابت ومستمر ومتكرر بهدف ترسيخهما في ذهن الفلسطيني على انهما حقائق وهما كالتالي:
مشروع التسوية السياسية الذي تسير فيه منظمة التحرير الفلسطينية هو مشروع فاشل ومتناقض مع طموحات الشعب الفلسطيني...!! ولن يؤدي الى شيء مفيد له، وان السلطة الوطنية الفلسطينية سلطة فاسدة متمسكة بتنسيق أمني مع اسرائيل لا يخدم تطلعات الشعب وأهدافه...!!!
والفكرة الثانية: ان فصائل المقاومة المسلحة تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة ومرعبة لإسرائيل وتشكل تهديدا وجوديا...!!! وانها لذلك باتت تمثل القضية الفلسطينية أكثر من السلطة الوطنية، حسب تقرير لصحيفة "أسرائيل هيوم" صحيفة اليمين الاسرائيلي العنصري المتطرف...!!
هنا نعود لمناقشة الافكار بشكل واقعي وعملي ملموس
التسوية السياسية التي تسير فيها منظمة التحرير الفلسطينية، نرى بوضوح انها اقامت مؤسسات الدولة على أرض فلسطين، وقد ارتقت بالمجتمع الفلسطيني صحياً وتعليمياً، وعمرانياً وصناعياً، وتجارة، وزراعة، وسياحة، واقتصادا وأمنا وعلاقات دولية، ونجحت من خلال خطها السياسي بالارتقاء بمكانة الشعب الفلسطيني الدولية لدولة مراقب في الامم المتحدة، ما فتح ذلك المجال لدولة فلسطين للانضمام لمعظم المؤسسات والاتفاقات الدولية واهمها المحكمة الجنائية الدولية، وما تسببه من أرق وتهديد بالمحاسبة أو الملاحقة لقادة الاحتلال، بالإضافة لمكانة فلسطين في اليونسكو ومجلس حقوق الانسان التي جعلت اسرائيل تنسحب غاضبة من تلك المجالس الدولية المهمة في حفظ وصون الحقوق الفلسطينية والتي من اهمها فيما يتعلق بالقدس والمسجد الاقصى، والحرم الابراهيمي، حيث نجحت دولة فلسطين بانتزاع العشرات من القرارات التي تصون الحقوق من ابرزها قرار اليونسكو بانه ليس لليهود أي صلة بالمسجد الأقصى، بالإضافة لنجاح دولة فلسطين باستصدار القائمة السوداء للشركات العاملة في المستوطنات والتي وضعت قيودا امام أي شركات تفكر بعدم مقاطعة الاستيطان، وجعل منها من يقرر الانسحاب عن العمل في المستوطنات.
وبالإضافة لما سبق من منجزات فالمقاومة الشعبية لم تتوقف بل ترعاها منظمة التحرير من خلال هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وتستمر منظمة التحرير برعاية أسر الشهداء والجرحى والاسرى، وتعويض وإعمار كل ما يهدمه ويدمره الاحتلال بما يحافظ ذلك على مسيرة المقاومة والنضال ضد الاحتلال ويبقيها مستمرة.
اسرائيل تدرك جيدا بان الخط السياسي الذي تسير فيه منظمة التحرير بشكل ثابت وهادئ ومستمر سيؤدي بشكل حتمي الى اسقاط الاحتلال، واستقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس، وسيجبر اسرائيل على القبول بحل عادل لقضية اللاجئين، وبنفس الوقت مسار منظمة التحرير ان استمر الاحتلال بالتعنت امامه سيرسخ اسرائيل كنظام تمييز عنصري وحيد في العالم، لن يقبله أحد مهما حاول استمالة بعض الانظمة للتعاون والتحالف معه، وبوادر هذا الرفض بدأت تتجلى بوضوح في عقر دار الحليف الأول والراعي الأساسي لإسرائيل وهي الولايات المتحدة.
الآن نعود للفكرة الثانية التي تمجد وتضخم من دور فصائل المقاومة وتحديدا حركة حماس، وهنا نتساءل على أي أساس خلص تقرير صحيفة "أسرائيل هيوم" بأن حماس باتت "تمثل اليوم القضية الفلسطينية بشكل حقيقي أكثر من السلطة"؟؟ ولماذا يحاول الاعلام الاسرائيلي ترسيخ تلك الفكرة في الرأي العام الفلسطيني؟
مطالب حماس وبنود تفاهماتها مع اسرائيل ليست سراً مخفيا عن أحد، واليوم تتأزم العلاقة بين حماس وحكومة الاحتلال الجديدة، لأن الاخيرة ترفض العودة لما كانت عليه الأمور بين حماس وحكومة نتنياهو من تفاهمات تتعلق بضبط الأمن والتهدئة فية قطاع غزة، بمعنى وقف كل أشكال المقاومة من القطاع سلمية كانت أم مسلحة مقابل دخول المنحة المالية القطرية بشكل مباشر لحماس (...!!) بالإضافة لتسهيلات تجارية واقتصادية لصالح سلطتها في غزة...!! فهل هذا هو الذي يمثل القضية الفلسطينية بشكل حقيقي أكثر من مشروع منظمة التحرير الساعي لاستقلال الدولة الفلسطينية على كامل الأرض المحتلة عام 1967 بعاصمتها القدس الشريف مع حل عادل لقضية للاجئين !!
لذلك من الواضح ان اسرائيل تسعى من خلال عملية بث اعلامي هادئة ومستمرة، لجعلنا نحطم انفسنا بأيادينا، فتشوه في عقولنا أي منجز حقيقي لنا على الأرض، مقابل تزيين الطريق الذي لن يؤدي بنا الا الى العزل والحصار والتجاهل الدولي والدمار والدماء والتفتت والظلام والتهجير دون أي جدوى.