الأشجار واغتيال مرزوق
هادي جلو مرعي - كاتب عراقي
يروق لي كثيرا عد عبد الرحمن منيف من كبار روائيي العالم، وعلى الأقل الذين قرأت لهم مولعا بالرواية كفن أدبي راق. الرواية تمنحك المزيد من الهدايا، فهي ليست فلسفة، وليست دينا، وليست تاريخا، وليست جغرافيا، وليست منطقا، وليست كيمياء، ولا فيزياء، ولاهندسة، وليست سحرا، وليست جنسا، وليست غراما يقود إلى الخطايا، أو يقود إلى التهلكة، أو يقود إلى الصفاء، هي كل ذلك في النهاية، وتمنحك كل ذلك دون أن تطلب مقابلا منك.
واحدة من روايات عبد الرحمن منيف (الأشجار واغتيال مرزوق) نجحت في ترويضي مثل أي قارئ لا يغريه أي شيء، وينتظر ما يغريه ليقرأه باختيار كامل، لكنني أفضل عليها (النهايات) و(مدن الملح) وربما روايات أخرى لم أعد أتذكرها، وقد أستغرب أنه كتب (قصة حب مجوسية) فكأنه أكره عليها، وليست معبرة عن إبداعه، فهي ضعيفة للغاية خاصة حين يكون العنوان مثيرا ولافتا، بينما المتن بارد خافت، لا يغري أحدا بالاستمرار في القراءة.
هل يمكن أن تتحول الأمور، وبهذه الدرجة من الإثارة المفزعة، فنجد أننا في مواجهة مخاطر حقيقية تمس وجودنا وإنسانيتنا، ونأخذ بتسطير الاحتمالات، ويتحكم فينا مفسرو النبوءات الذين يسخرون منا، ويجمعون الكثير من النقود، بينما ننشغل بتناقل سفاهاتهم، وربما دعونا لهم بالخير العميم، فهم يبعثرون حياتنا بالأساطير والأكاذيب والزيف، ونتحول في عهدتهم إلى مجموعات من السذج، بينما يحترق الكوكب، وترتفع درجات الحرارة فيه، وتتزايد أحجام المخاطر الناتجة عن العواصف والأعاصير والهزات الأرضية والبراكين والفيضانات المدمرة، عدا عن الإستهلاك المدمر للمزروعات، والاستخدام غير العقلاني للمحروقات التي تسبب زيادة في نسبة الغازات السامة، وسواها من ممارسات بشرية مثيرة للقلق والخوف من المجهول.
نحن في مواجهة تحول خطير، فجريمة الاغتيال التي طالت مرزوق في رواية عبد الرحمن منيف هي اليوم جريمة اغتيال الأشجار، وليس مرزوق حيث تحترق البيئة المحيطة بنا، وتتفجر من حولنا، ونخسر ملايين الهكتارات من المساحات الخضراء التي تشكل الغابات نسبة كبيرة منها، بينما تتشكل هي من مليارات الأشجار التي تغطي مساحات شاسعة من الكوكب، وكأن الأرض مثل امرأة تعرت من ثيابها أمام الملأ، وما عاد من شيء يستر جسدها المكشوف، ولو رأى منيف حجم الكارثة التي تواجهها البشرية اليوم، وبعد سنوات على رحيله، لألف رواية جديدة، سماها (مرزوق واغتيال الأشجار) ولوجد الكثير من القراء يطالعونها بشغف.