أسرى حركة فتح... والإنتخابات القادمة - الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
سجن رامون الصحراوي
مع أن الشك لازال يساورني في إمكانية إنعقاد الإنتخابات الفلسطينية (الرئاسية، التشريعية، المجلس الوطني، والمجالس المحلية والبلدية) في موعدها المتوافق عليه، في شهر أيار القادم، نظراً للعديد من الظروف والمعطيات المحلية الكثيرة، المعروفة لدى الجميع وليس هذا مكان ذكرها، ولأن الأسرى، نتاج لظروف إستثنائية غير مقنعه، سبق لهم وإن تفاعلوا مع إنتخابات عام (2006) من خلال ترشح عدد منهم لعضوية المجلس التشريعي، هذا الترشح الذي كان ولازال يمثل بؤرة جدل حامية الوطيس بين المجموع الإعتقالي ككل، من جهة، وبين أعضاء التنظيم الواحد من جهة ثانية، حيث تتراوح الآراء بين مؤيد ومعارض، والمميز بين المقاعد الإنتخابية ذات الإستحقاق الوطني الخدماتي، والمقاعد الإنتخابية ذات الإستحقاق النضالي الحزبي.
وبما أن الحديث عن الإنتخابات، قد أخذت تزداد وتيرته في الآونه الأخيره، وعاد ليمثل محوراً رئيسياً في حواراتنا ونقاشاتنا اليومية، فإنني وجدت لزاماً علي أن أطرح هذه المسألة على الرأي العام من خلال هذه المقالة، التي تعبر بشكل اساسي عن وجهة نظري الشخصية، التي لها من يؤيدها، آخذاً بعين الإعتبار كافة الآراء والمواقف المخالفة، وكلي أمل أن تحاول القيادة الفلسطينية السياسية في الخارج الإستماع بعقل مفتوح ولو لمرة واحدة، لأصوات الأسرى في كثير من القضايا السياسية والتنظيمية التي ضحو من أجلها بدلاً من تجاهلها! في ذات الوقت الذي أتمنى فيه من أخوتي الأسرى، اصحاب مشروع الترشح، التفهم الواعي لهكذا وجهة نظر واقعية.
وحتى لا اغرق في التعميم، سأوجه مسار قلمي ناحية التخصيص، وتحديداً باتجاه أسرى حركة فتح الذين لازالوا يشكلون أكثر من نصف الحركة الوطنية الأسيرة، ومن بينهم عشرات القيادات والكادرات التنظيمية المميزه، جزء منهم، أفنى معظم حياته في خدمة الحركة والتأطير لها من خلف القضبان، الأمر الذي ساهم في الصقل الفكري والسياسي والوطني للعديد من الشخصيات الفتحاوية، التي تتبوأ مواقع قيادية مهمة وحساسة في الوقت الراهن، ويسقط نظرية الحرمان للأسرى من تمثيل انفسهم في مواقع قيادية بذريعة الأمن –بالمعنى الواسع للكلمة- والتي يتبناها عدد قليل من الأخوة أعضاء اللجنة المركزية، مما أدى إلى تعطيل قرار المؤتمر العام السادس، أعلى سلطة تشريعية في الحركة، والداعي إلى تمثيل الأسرى بواقع عشرين عضواً من أعضاء المجلس الثوري، مع العلم أن الكل الفلسطيني –في الأرض المحتلة- وداخل السجون وخارجها يعيش تحت نير الإحتلال، حيث ان واقع الأسرى المُنظم نسبياً، في ظل وجود من يمثلهم، يحول دونما الإحتكاك المباشر بين الأسير وبين المؤسسة الأمنية الإسرئيلية، لفترات تمتد أحياناً لكل السنوات التي يمضيها الأسير في المعتقل، وهذا الكلام يدركه جيداً كل من عايش الحركة الأسيرة، ولو لفترة بسيطة، كما ويدرك تماماً بأن الإحتكاكات التي تتم في خارج السجون، أضعاف مضاعفه عما يتم في داخلها.
إن الإستنكاف المتواصل عن توفير قناة تنظيمية رسمية تتابع وترعى الشؤون التنظيمية لأبناء الحركة داخل السجون، والإكتفاء بالتغني الشعاراتي ببطولات الأسرى وتضحياتهم أثناء الإحتفالات والمهرجانات، بعيداً عن أية ممارسة عملية تشعرهم بالإحتضان الدافئ لحقوقهم التنظيمية، وتطمئنهم أن تضحياتهم تعزز من دورهم المشارك في الحياة التنظيمية ولا تلغيه أو تجمده، سيجعلنا عرضة للكثير من الإهتزازات على المدى البعيد.
ففي ظل هذه الأجواء القاتمة، والملبدة بالإهمال والتباطؤ في الإستجابة لمطالبات الأسرى، ترسخت لدى الغالبية العظمى منهم قناعات إشكالية، لها إنعكاسات سلبية على واقع الحركة، وإرهاصات خطيرة إن لم يتم تداركها في الوقت المناسب، ويأتي في مقدمة هذه القناعات الإعتقاد بأن حقوقهم التنظيمية تحتاج إلى نضال مطلبي حتى يتم تحصيلها.
وعليه فإنني أجد أن الدوافع التي تجبر الأسرى وغيرهم، للإقدام على ترشيح أنفسهم في الإنتخابات التشريعية القادمة، فيها ما فيها من المبررات المرتبطة بما سلف ذكره، وطبيعة إحتجاج خارج السياق المتعارف عليه، بهدف البحث في حلول مرضيه لهكذا مسائل تنظيمية معقدة، غير أن اللجوء إلى هذه الوسيلة يحمل في طياته الكثير من المخاطر التي تعود على الحركة بالسلبي، ويعيدنا إلى مربع أزمة إنتخابات عام 2006، ولكن بصورة أسوأ، في ذات الوقت الذي يعتبر فيه قرار الحركة بمركزية الترشيح وفصل كل من يخالفه، قرار أعرج، مالم يتم إيجاد الآليات الديمقراطية المنصفة، التي يتساوى أمهامها جميع من تنطبق عليهم الشروط، ويعرف كل منهم بأنه أخذ فرصته أمام مؤسسات الحركة بغض النظر عن النتيجة التي حصل عليها، وبالتالي يستقيم القرار الحركي، بعد أن يكون أغلق بوابة الذرائع بحاجز الكفاءة والمنافسة الشريفة، بدلاً من هوة الولاءات والحظوة.
وبالعودة إلى واقعنا الإعتقالي، وعلى الرغم من قسوة الإهمال التنظيمي الذي يعانيه أبناء الحركة! فإنني أدعو جميع الأخوة الذين قرروا ترشيح أنفسهم، وهم كثر، إلى التريث قليلاً، وإعادة حساباتهم على قاعدة الإلتصاق بالمبادئ والقيم الحركية السامية التي إستقطبتنا إلى هذا الإطار، والإستمرار بالتمسك في معول البناء، ومحاربة معاول الهدم، آخذين بعين الإعتبار تصويب وجهة فرد خاصة الإنتقاد وفق المحاذير والمطالبات التالية:-
أولاً: يجب التمييز بين المقاعد الإنتخابية ذات الإستحقاق الوطني الخدماتي، والمقاعد الإنتخابية ذات الإستحقاق النضالي، بمعنى أن مغامرة وضع النائب داخل السجن، ستحرم جمهور الدائرة الإنتخابية التي يمثلها من أية خدمات منوطة بمهمته البرلمانية، إلى جانب أنها ستحرم الكتلة البرلمانية للحركة من تمرير مشاريع القوانين الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وغيرها، والتي قد تحتاج إلى أصوات قليلة من أجل تمريرها خاصة وأن المنافسة شديده، كما أنه لايوجد في العالم كله قانون يسمح بالوكالة الفكرية، أي توكيل من ينوب عن النائب في التصويت في مثل هذه الحالة، وستبقى العضوية مقتصرة على الناحية الصورية ليس إلا، ناهيكم عن الأذى الداخلي الذي يمكن أن تلحقه هكذا خطوة بالجسم الحركي، بينما المقاعد ذات الطابع النضالي الحزبي مثل عضوية اللجنة المركزية، المجلس الثوري، وحتى المجلس الوطني، فمن حقكم إلزام القيادة بتحديد نصيبكم في هذه المؤسسات.
ثانياً: حتى يكون الصوت مسموعاً ومؤثراً، والفعل قادراً على الإستنهاض، على صعيد الحركة الأسيره، وعلى الصعيد الخارجي، لابد من تكاثف الجهود، وصهرها في بوثقة عمل تنظيمي سليم، بعيداً عن كل الحسابات الشخصية، ومتجاوزاً لكل العقبات والمعيقين، من أجل إنجاز مشروع القيادة المركزية للحركة على مستوى السجون، والتي قطع في سبيلها شوطاً كبيراً من الآن.
ثالثاً: إذا كان ولابد من تمثيل الأسرى في عضوية المجلس التشريعي، من أجل إبراز القيمة الرمزية لنضالنا، فلينحصر الأمر في مرشح واحد، وليكن أقدمنا، مع العلم أنه يمكن الإستعاضة عن هذه الخطوة من خلال الدعم باتجاه ترشيح عدد أكبر من الأخوة الذين أفرج عنهم في صفقة التبادل الأخيرة.
رابعاً: على الأخوة في اللجنة المركزية إيجاد مرجعية تنظيمية لفرع السجون على أعلى مستوى حركي ممكن، وأن تتمتع بصلاحية إتخاذ القرارات الملزمة وفق لائحة إدارية تنظم طبيعة عملها مع الهيئات الفرعية أو القيادة المركزية في حال تشكلها، بما ينسجم ويلبي المصالح التنظيمية على مبدأي الإنصاف والمحاسبة.
وأخيراً، أتوجه بندائي إلى الأخ الرئيس ابومازن، والقائد العام للحركة، بأن يسارع إلى حسم مسألة عضوية الأسرى في المجلس الثوري، لصالح الأسرى، من خلال وضع قائمة المرشحين على طاولة المجلس الثوري، والطلب منهم التصويت لعشرين إسماً، وذلك من باب العدالة وإعطاء الفرصة المتساوية للجميع حتى تكون النتيجة مرضية وملزمة.
وفي هذا السياق، أعود وأكرر الرأي السائد والسديد: بأن الإهمال وتغييب الحوار الداخلي، أشد خطورة من الحسم على واقع الحركة ومستقبلها، لأنني أعلم يقيناً بأن البعض يصور الإقتراب من واقع الأسرى كما لو أنه إقتراب من قنبلة موقوته، وهذا الكلام عار عن الصحة تماماً، ويمكن التأكد من صدقيته من خلال إستشارة نخبة الأخوة الأسرى الذين تم الإفراج عنهم، والفوضى التي نعيشها اليوم، هي أشبه بفوضى جوقه موسيقية تحتاج إلى المايسترو، وهو موجود، الذي يوزع على أعضائها الأدوار، كل حسب كفائته وتخصصه، حتى نعيد للكل الحركي تفاعله البناء، ونعزف لحن الإنتماء للوطن، ونشيد الوفاء للحركة.
Nasim Shaheen
Jerusalem- Palestine
Mobile #: +970599873712