جبع : إحتراق العصافير تحت زخات المطر - عكرمة ثابت
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ودعت جماهير شعبنا الفلسطيني البطل بألم وحسرة امس الخميس ضحايا الحادث المفجع على طريق جبع
المحاصرة باسلاك المعسكرات الإسرائيلية الشائكة وبحواجز القهر والعذاب الإحتلالية ... سرب من عصافير الهدى تطاله نار الإهمال المروري وتحاصره ألسنة لهبها تحت زخات المطر ... أصيب من أصيب ونجا بقدرة الله من نجا ، والى جنات الخلد إرتقت أرواح بريئة بعد أن تفحمت أجسادها الندية ... مشاهد موت مرعبة أدمت العيون وصعّقت العقول ... عشرة من عصافير عناتا وبلابلها يفرون من أعشاش الأرض المقدسة إلى علياء السماء ليعطروها برائحة المسك الممزوج بعشق التراب ... يطوفون فوق حتفهم باسمين فرحين بعودتهم من جنتهم الطفولية الضيقة إلى نعيمهم الواسع مع الأنبياء والصديقين والشهداء .
انها فاجعة كبيرة وحادث جلل ومصاب أليم أدمى فلسطين بسهولها وجبالها ، وأبكى صخرة قدسها الشريف .. فمن أعماق القلوب الفلسطينية الحزينة والعيون المقدسية الباكية نشاطر اهالي الضحايا ونعزي أنفسنا بهذا المصاب الجلل سائلين الباري عز وجل ان يتغمد الفقداء الغالين برحمته الواسعة ويسكنهم فسيح جنـاته ويلهم عائلاتهم الكريمة ومحبيهم جميل الصبر والسلوان رافعين الأكف مبتهلين اليه تعالى ان لا يري اي من ابناء شعبنـا اي مكروه ويحفظهم من كل سوء ، إنه سميع مجيب الدعاء . عصافير فلسطين البريئة تسافر مكرهة عبر العواصف وهدير الرعود ... تشق بريشها الناعم غمام السماء وتغرد لزرقتها ... تطوف مودعة زهرة المدائن وكأنها تلقي نظرتها الأخيرة على اسوارها ومآذنها وكنائسها وقباب مساجدها الشامخة الصامدة رغم أن ربيعها لم يزهر وساعة رحيلها لم تحن بعد !!! .
لكنها إرادة الله عزوجل وقضائه وقدره بأن يرحل عنا بلمح البصر فلذات أكبادنا ... بأن تختطف حوادث السير القاتلة أحبائنا وأحباب الله دون سابق وعد أو إنذار ، ليتركوا في النفوس لوعة وفي القلوب حرقة وغصة وفي فلسطين ومدنها وقراها ومخيماتها ، حزن وألم وحيرة !!! وها هي فلسطين المحتلة بكل جراحها وجوارحها تبكي شهدائها وأعزائها ضحايا فاجعة جبع وتقبض قلبها وحزنها عليهم ... ففلسطين أمام هذه المصيبة الكبرى تنهض من بين ركام الأحزان والشدائد لتلملم جراحها وتنفض عنها غبار الألم والحسرة ... تنهض لتتوحد أمام الراحلين الكبار وأمام حقد وإستخفاف القتلة والمحتلين ... تقف فلسطين في وداع اطفالها وشبابها ونسائها داعية الواحد القهار : " اللهم اجعلهم من طيور الجنة وطّفيء من حرقة ذويهم على رحيلهم ... اللهم الحقنا بهم شهداء علم وانتماء وبراءة ، وحب وطن ... اللهم عوض فلسطين بهم وعنهم وعوض اهلهم بالخلف الطيب ... اللهم انا ننتصر بك على الظالمين الحاقدين من اولئك الذين يتمنون زيادة اعداد القتلى منا وفينا ومن ابنائنا وأطفالنا ... هؤلاء المحتلون والمستوطنون الذين يتربصون باراضينا ومقدساتنا وبشبابنا وزهراتنا واطفالنا ... نسألك اللهم بكل اسمائك الحسنى ان تنصرنا على أعدائنا ، وأن تتقبل أبنائنا شهداء وأن ترحمهم وتدخلهم فسيح جناتك وتلهم اهلهم وذويهم الصبر والسلوان " .
طوبى لأطفالنا الشهداء ولكل من رافقهم في رحلة الشهادة والإرتقاء الى العلا ... طوبى لكم ايها الشهداء وانتم تعانقون ببرائتكم وطهركم تراب القدس وتطوفون في سمائها ... تطيرون فوق حواجز الظلم معلنين إنتصار الطير الفلسطيني على القهر والحقد الإسرائيلي .
طوبى لكم وأنتم تحطون على نوافذ السجون حيث يقبع الاف الاسرى والمعتقلين ... تنشدون لهم اناشيد الحرية والعودة ... تعزفون بلحنكم الجميل سيمفونية الانتصار للأسير البطل خضر عدنان ... تكتبون على جدار زنزانته بدمكم القاني " أن اللحم والدم سينتصران حتما على سيف القهر والظلم " ... فإلى جنات الخلد يا طيور الهدى ... يا أحباب الله في بيت المقدس ونور فلسطينها الساطع ... انا لله وانا اليه راجعون .