بقايا مدينة مقدّسة تحتضر... أم حَيد نظر لخطواتٍ أخرى؟! - رانية عبد الرحيم المدهون
نرشق الكلمات على أوراق ذاكراتنا، فقط لنتذكّر الخريطة التاريخية للقدس، عندما يبيت حاضرنا ماضي، تحسُّبنًا لتغيير مظهرها وألوانها، وربما مكانها !
أخشى أن يأتي اليوم الذي نبحث فيه عن القدس في بغداد، أو عن الأهرام في بابل! لقد طالت الأيدي "الإسرائيلية" من أحشاء مدينتنا المقدّسة، حين خطت بكل وحشية في كل السبل، واستنفذت كافة الآليات، لخلق خريطة جديدة للقدس، بعد الزحف العمراني حول المدينة القديمة، واختراق الجدار الثعباني لدروبها ومعالمها التاريخية، وتهجير الكثير من سكّانها. والمنتوج مدينة جديدة، تتساقط من ساحاتها معظّم خطوطها الحقيقية، مستبدَلة بخطوط جديدة، تزيدُ من تيه المدينة المقدسة، وتُسهِّل عملية سلبها الصريح.
ما عرفنا إلا القدس بأروقتها وشوارعها القديمة، ومساجدها وكنائسها، وأصوات الحق الصادرة عن مآذنها وأجراسها البهيّة! ما عرفنا لا " مدينة داوود"، الذي تعتزم أجهزة الاحتلال إقامته في حي سلوان ، ولا عرفنا "الخارطة الهيكلية للقدس 2020"، التي ستغيِّر وجه المدينة بالكامل. «حدائق الملك» التلمودية.
لقد تم تصديق لجنة التخطيط والبناء "الإسرائيلية" المحلية التابعة لبلدية الاحتلال في القدس ، في 28/12/2011 ، على مخطط إقامة ما أسمو بـ "مركز القدم" ، التابع لما أطلقوا عليه "مركز الزوار التابع لمدينة داوود"، في حي سلوان ، فيما وافقت اللجنة اللوائية للبناء والتخطيط التابعة لبلدية الاحتلال في القدس على هذا العزم لاحقًا. والجدير هنا بالتمعُّن والتحليل، أن هذا المشروع الاستيطاني التهويدي، الذي تُنفِّذه "منظمة إلعاد الاستيطانية"، قد لاحت أولى راياته السوداء في العام 2009 ، وسار بشكل طبيعي السرعة، خلال العام 2010، لكنه عاد واستأنف عمله بمنتهى السرعة، منذ نهاية العام 2010! ما يأخذنا إلى تفسير ما يحدث، بأنه محاولة لحيد النظر العربي والإسلامي عن خطوات "إسرائيلية" مُلِحّة، وآنية، تعتزم "إسرائيل" تنفيذها، فيما تتّخذ من المدينة، تاريخية القداسة والغلاء، في الوجدان العربي والإسلامي، كآلية لحيد النظر، ولفت الانتباه في طريق معاكس لنوايا الضربة القادمة الحقيقية.
فيما أشارت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث إلى أن المركز التهويدي سيُمثِّل "محور التقاء وتوجيه مركزية في مشروع الاستيطان والتهويد"، بعد أن يتم ربطه بشبكة الأنفاق التي يتم حفرها في قرية سلوان، ووادي حلوة، ومحيط المسجد الأقصى.
كما سيبتلع ذلك المشروع الشيطاني مقبرة إسلامية تاريخية، ومحيط ثُراثي مقدّس.
ونجد العبارات العبرية العنصرية، التي تدل على مدى كره اليهود للعرب الفلسطينيين، متناثرة اليوم على جدران مدرسة «يد بيد»، في حي بيت صفافا بالقدس الشرقية، حيث تلخّص ذلك الكره في حروف كلمات "الموت للعرب"؛ حيث أقر الطلاب اليهود بعباراتهم الخاطئة أن "كاهانا كان على حق" ، وهو الحاخام الأمريكي المتطرف "مئير كاهانا" ، الذي أسّس حركة "كاخ" المعادية للعرب.
ولقد أزالت سلطات الاحتلال مؤخرًا خيمة اعتصام، كانت قد أقامها سكان حي سلوان في العام 2007م، احتجاجًا على سيطرة قوات الاحتلال على الحي.
ولقد بلغ معدّل هدم المنازل في مدينة القدس ، منذ مطلع العام 2012، ستة أضعاف ما كان عليه في العام 2011 ، حيث أعلنت سلطات الاحتلال مؤخرًا عن مناقصات لشركات هدم المنازل الفلسطينية في القدس.
فيما أخفق اليمين اليهودي المتطرف في محاولات اقتحامه للمسجد الأقصى المبارك هذا الأسبوع، حيث يحاول رئيس بلدية الاحتلال اليميني نير بركات استغلال المدة المتبقية له برئاسة البلدية بشكل سريع، في هدم حي البستان لضمان نجاحه في الانتخابات القادمة.
لقد هدمت قوات الاحتلال أكثر، منذ بداية العام الحالي، من 50 منزلاً ومنشأة في القدس الشرقية وما حول المدينة المقدسة والضفة الغربية، ما مسّ 50 فلسطينيًا، بذريعة "البناء دون تراخيص".
كما تم رصد 20 ألف منزل في القدس، يسكنها 60 ألف مقدسي تعتبرها "إسرائيل" منازل غير قانونية وتعتزم سلطات الاحتلال هدمها بآليات بطيئة وممنهجة.
كما أن أكثر العقارات التي تبنى خارج حدود المدينة ، تباع لمقدسيين تم خروجهم من القدس ، جراء فقدهم لمنازلهم.
ولقد حاولت ملتقى "نساء من أجل الهيكل" الذي تترأسه اينات زيف،وريفكا شمعون اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، ودعت اليهوديات المتدينات إلى تحديد يوم كل شهر لتدنيس المسجد الأقصى ، كخطوات تراكمية للوصول لهدمه مستقبلاً.
فيما سيكون الحاخام آتي أليصور على رأس المجموعة النسوية التي سوف تقتحم المسجد الأقصى وبترخيص وحماية من شرطة الاحتلال الإسرائيلي كما جاء بالدعوة .
كما لعب الإعلام دورا أساسيا في منع دخول أعضاء حزب "الليكود"إلى المسجد الأقصى مطلع هذا الأسبوع من خلال الضغط الإعلامي وحملات التوعية على مدار أسبوع كامل سبقت موعد الاقتحام .
في حين كشف الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني (المحتل عام 1948)أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلية تُسرِّع عمليات حفر شبكات الأنفاق الممتدة أسفل القدس الشريف، والمسجد الأقصى، باستخدامها مواد كيميائية .
ويعمل القائمون على الهدم تشكيل حالة من التآكل المتسارع جداً للطبقة الصخرية التي تحمي المسجد الأقصى المبارك، أو للعمدان الصخرية التي تقوم عليها أساسات هذا المسجد . وكما يرى الخطيب فإن الهدف من كل هذا هو التخريب وزلزلة أساسات المسجد الأقصى تمهيداً لهدمه لبناء الهيكل المزعوم محله.
ولقد أطلق ممثلو 33 هيئة عربية وإسلامية الحملة الدولية لكسر حصار القدس المحتلة وحملات التهويد التي تتعرض لها وتستهدف تقويض أركان المسجد الأقصى . وأكد المشاركون في الحملة، في مؤتمرهم الأول الذي عقد أمس بالأزهر، أن القدس تتعرض لحصار شامل بهدف تقطيع أوصالها .
كما تم تدشين هذه الدعوة بالقاهرة، إلى توصيل الصوت الفلسطيني ومعاناته إلى العالم، في ظل الممارسات الصهيونية لمنع المسلمين والمسيحيين من إقامة شعائرهم الدينية، مطالبين بالمساندة والوقوف إلى جانبهم ضد جميع محاولات التهويد .
لقد علت صرخات القدس منذ خمسة وأربعون عامًا، واستُهلِكَ استخدامها، مرة للوصول لجغرافيا جديدة، وأخرى لحيد نظر العالم العربي والإسلامي عن خطوات تتطلع إلى أراضِ عربية وإسلامية أخرى، علّ العالم يسمع صرخاتها ، والخوف أن تستقوي القدس بمن لا يستطيع، أو لا يستطيع، وتبيت المدينة المقدسة مجرّد ذكرى.