خضر عدنان: انتصرت لنا فلننتصر لك!- بسام الكعبي
حول 66 شمعة تلمع كل واحدة بنور أيام الجوع الحر في الزنازين المعتمة، وقف عدد قليل من الشبان والشابات وسط مدينة رام الله، على دوار الشهيد ياسر عرفات، يحملون يافطة متواضعة؛ بكلمات بسيطة ومعاني صادقة، تفيض بحبر أسود يقطر حزنا فوق أحرف فقيرة وخط مائل للتمرد، وقد خطف بريقها جملة قصيرة على عَجل: انتصرتَ لنا فلننتصر لك.
أشهدُ على صدق المعنى، وقد انتصرت حقيقة لكرامتنا التي مزقها كل شيء على هذه الأرض التي تكاد تهوي بنا، وتحت سقف هذه السماء التي تكاد تطبق على أنفاسنا؛ انتصرت لنا عندما تحديت جبروت سجانك؛ بجهازه البوليسي وأدوات قمعه ونياشين ضباطه وجنون غازه، وسلاسله، وقضبانه الحديدية، وزنازينه الرطبة، فارتفعت هامة عالية فوق أسلاك المعتقل لتصرخ بوجه الجلاد : كرامتي أغلى من الطعام، ولتطلق نشيد الأحرار في وجه الاعتقال.
من خلف عدساتك، ومن تحت جبينك الذي يرشح بالإيمان والكفاح، تطل يا شيخنا من اليافطة الكبيرة متأملا ملامح الحضور المتواضع، بحثا عن سر الغياب الواسع والمطلوب إسنادا لموقفك الأسطوري. تطل مبتسما لثلاثة أطفال قهروا البرد، ومنحوا قلبك دفئا وهو ينبض بالعزة على فراش النصر في مستشفى زئيف في مدينة صفد. تطل بهدوء على عدسات التصوير، وترصد بصمت دردشات قلة من الإعلاميين..وتلوح لهم معلنا من شمال فلسطين: الأمعاء التي تفيض بالكبرياء اقتربت من لحظة الانتصار.
مع نهاية هذه الليلة الموحشة التي تقطر بردا وسط المدينة الصامتة، تسجل أيها الشيخ الجليل على صفحات التاريخ خمسة وستين يوما من جوع الكبرياء، ترسمها نجمة ساطعة في سفر البشرية لتعيد لقضيتنا بعضا من بريقها الغائب، ثم تعود بها مكللا بالانتصار فتلمع وميضا على جبينك العالي ليشتعل قلب أمك بالفرح ويعلو المجد ببراءة طفلتيك. تواصل حتى اللحظة بصمت ثائر، نسج نجمتك الساطعة بمغزل من طهارة أمعائك، تتابع بلا كلل صناعة مشنقة أخلاقية للسجان..مَنْ يصدق أن كل هذا الجبروت علق مكبلا بقيد سقوطه الأخلاقي، ولا زال يتأرجح جثة معلقة تحت سقف تسعة أمتار فارغة من أمعاء طاهرة، تمتلك فنون الإطاحة بالقاتل؟
أنت نشيد كرامتنا، أنت عزتنا التي أعادت لنا الكبرياء المهدور..ننتظرك قريبا مكللا بالمجد والانتصار وقد انتزعت لنا بصمودك الأسطوري حقوقنا المشروعة بالحرية والكرامة والعيش في وطن نستحقه ويستحقنا..نشاهدك يا شيخنا الجليل في القريب؛ منتصرا؛ مبتسما؛ لتقفز نحونا من الملصقات الملونة وتتلو علينا من سفر الكفاح حكاية الصمود في قلاع الكبرياء..نرمقك يا شيخنا العملاق بعيون فرحة لتزرع في قلوب الأمهات أملا بعودة أسرى الحرية لأحضانهن وقد طال انتظارهن.