خضر عدنان انتصار الكرامة على القهر- محسن ابو رمضان
لم يكن هدف المناضل خضر عدنان الدخول في موسوعة غينس العالمية من خلال تجاوزه للرقم العالمي الذي قام به عام 81 المناضل الايرلندي بوبي سانس الذي استشهد باليوم الخامس والستون في إضرابه عن الطعام الذي من خلاله تم تغيير لخارطة السياسية وإجبار حكومة تاتشر آنذاك على التفاوض مع مطالب الايرلنديين الذين عانوا الكثير جراء السيطرة البريطانية عليهم .
بل كان هدفه كسر أدوات الاحتلال الإسرائيلي وخاصة تلك الموروثة من عهد الانتداب البريطاني والمرتكزة على قانون الطوارئ وتحديداً الاعتقال الإداري الذي تضرر منه مئات المناضلين والمناضلات من أبناء شعبنا .
إن شعار كرامتي أغلا من الطعام قد ملئ الدنيا وتحركت من خلاله قطاعات سياسية واجتماعية واسعة عبر إحياء خيم الاعتصام أمام الصليب الأحمر وعبر تعاطف العديد من القوى التضامنية الدولية وأبرزها الوقفات التضامنية الرائعة التي حدثت في ايرلندا نفسها والتي ذكرتهم بنضالات معتقليهم في مواجهة أدوات القهر والسيطرة الخارجية .
لقد شكل المناضل خضر عدنان مدرسة بالصمود والإرادة والمقاومة عبر حرب الأمعاء الخاوية التي خاضها متسلحاً بعدالة قضيته حيث رفض كل المساومات الرامية إلى فك إضرابه مقابل الإبقاء عليه معتقلاً إدارياً ، وبعد مفاوضات صعبة رضخ الاحتلال وإدارة معتقلاته لمطالب هذا المناضل عبر الموافقة على عدم تكرار الاعتقال الإداري بحقه والإفراج عنه يوم 17/4 بوصفه اليوم الذي تنتهي به محكومتيه الإدارية والذي يصادف يوم الأسير الفلسطيني ،الأمر الذي سيحفز المعتقلين الآخرين في سجون الاحتلال لاستمرار النضال متسلحين بعدالة قضيتهم وبالانجاز الكبير الذي حققه عدنان والذي من الضروري البناء عليه من اجل إغلاق ملف الاعتقال السياسي بصورة نهائية لا تقبل التكرار .
لقد كشف هذا الإضراب الطبيعة العدوانية والعنصرية للاحتلال الذي يستند بعلاقته مع الفلسطينيين إلى قوانين الطوارئ وأدوات الحكم العسكري بما يتناقض مع ادعاءاته عن احترامه لمبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان ، كما كشف زيف المجتمع الدولي الذي تعامل بصمت تجاه ملحمة إضراب المناضل عدنان بالوقت الذي لم يكن يدخر جهداً من اجل إثارة قضية الجندي شاليط الذي كان معتقلاً لدى المقاومة ، فأي زيف وازدواجية بالمعايير ينتمى هذا المجتمع الدولي الذي يخضع لهيمنة الولايات المتحدة التي تدعم بلا حدود الممارسات العنصرية والاحتلالية وبما يخالف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان .
لقد استطاع المناضل عدنان في ملحمته الأسطورية أن يهز الضمير الوطني والإنساني ويوحد شعبنا بكافة فاعلياته السياسية والاجتماعية حول قضيته التي أصبحت رمزاً لعدالة قضية المعتقلين كافة في سجون الاحتلال الذين يعانون سياسة منهجية قهرية بحقهم سواءً عبر منع الزيارات والإهمال الطبي والتفتيش العاري والعزل الانفرادي ، الأمر الذي فتح من جديد ملف الأسرى في سجون الاحتلال الذي من الهام استمرار النضال من اجل التعامل معهم كمناضلين من أجل الحرية وبالاستناد إلى مبادئ حقوق الإنسان .
إن إرادة الصمود الأسطوري للمناضل خضر عدنان وعدم التراجع إلى الوراء والتمسك بتحقيق الهدف مهما عظمت التضحيات يعتبر درساً أساسياً يمكن الاستناد له والتعلم منه وممارساته على كافة المستويات، وذلك عبر المقاومة بأبعادها الشعبية والسياسية والاقتصادية والحقوقية هي المنهجية التي يجب ان يسير عليها شعبنا من اجل كرامته التي انتصر لها المناضل عدنان وأعطى من خلالها شعبنا درساً بها .
كان المعتقلين في سجون الاحتلال وحينما تشتد عليهم ممارسات إجراءات إدارة المعتقلات وبصورة قاسية يفكرون بخوض إضراب عن الطعام وكان مصطلح الإضراب الايرلندي مفهوماً لإضراب طويل وغير متوقف عن الطعام حتى تحقيق الأهداف أو الاستشهاد ، وها هو المناضل خضر عدنان قد تجاوز مقياس الاضراب الايرلندي وتعداه عبر إرادة فلسطينية مميزة شكلت رمزاً لنضال الانسانية في مواجهة الظلم والقهر والعنصرية.
سيتعلم مناضلي العالم من درس عدنان وسيسيرون على نهجه على طريق الكرامة فهنيئاً له ولشعبنا بهذه الإرادة الحرة .