تكامل والدولة الواحدة (2_4) - ياسر المصري
وفي الحديث عن إدارة الصراع وتحديد ما نريد ومايليق بنا، وعدم الإبقاء لقواعد لفرض الحصار على الذات في تعليق أهدافنا بما يقبله الإحتلال ويرفضه، لابد من التطرق إلى أن الإحتلال استطاع في أحيان أن يُكرس إستراتيجية ثابتة منذ عمره وعمر جرائمه، بأن يسلب الكل ليعطي الجزء، على اعتبار أن الوعي لدينا سَيُروض ليسلم بالأمر الواقع المفروض كصيغة طبيعية، وأن تنازل الاحتلال عن الجزء هو إنجاز يمكننا أن نتعايشه كمنجز في هيئة الواقع، وقد تمتد هذه الإستراتيجية لتطال الكثير من التفاصيل التي عايشها شعبنا كنشر 500 حاجز وتخفيضها إلى 100 في محاولة لفرض الواقع بصيغة ال500 والمنجز إنخفاضها إلى 100.
وقد يكون من نتائج هذه السياسة أن ارتبط في وعي البعض تصور مغلوط وخطير بأن نتنازل عن حقوقنا مسبقاً نتاج المعرفة بأن الإحتلال سيرفض هذه الحقوق، ولاحقاً لخاتمة الجزء الأول من المقالة، لابد من الوقوف ملياً عند عدم انتظار قبول الإحتلال لسلوك معين منا أو تبنى إستراتيجية أو أداة نضالية معينة حتى تؤتى هذه الخطوة أُكلها عبر الإجماع الذي تحدده مصالحنا في إختيار الأدوات والآليات والتعامل مع المتغيرات في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة ومن منطلق فهم مصالحنا.
فالاحتلال في جوهره مازال يرفض الحق الوجودي لشعبنا في الوجود وليس الكينونة والهوية والسيادة أو الندية والتعامل بالمثل فقط، وقد تميزت فتح كحركة وطنية بأن أفشلت ودائما إستراتيجية الإحتلال في كسر روح المقدرة والأمل بالنصر، واستطاعت أن تتغلب على هذه المحاولات بأن تحقق النصر على حساب حسابات الهزيمة عبر التمسك الدائم بحتمية النصر والإيمان به.
وليس غريباً أن يكون السؤال القائم على مستوى الشارع الفلسطيني في الحديث أن المقاومة لم تعد تنجز وأن المفاوضات لم تعطي فلماذا؟؟ ولعل تناول هذه النتيجة التي شاهدها الجميع وبجزء منها اقتطاع الوطن بشقين لتحقيق وتجلى بعض العبث باسم الوطن والمقاومة، ما هي المقاومة التي كانت تعتمد على تحقيق هدف وحيد ألا وهو استغلال المردود فقط لتحقيق مد شعبي متأثر بعاطفة الشعور الدائم من ألم جرائم الإحتلال المتواصلة، فهل المقاومة التي اعتمدت على العمليات داخل المدن الإسرائيلية هي التي نريد في ظل ما فسحت به من مجال لخلق بيئة أمنه في المستوطنات وساعدت إلى حد ما في تحقيق أهداف اليمين الإسرائيلي في تعزيز الإستيطان وإيجاد المبررات الدائمة لإستمرار الإحتلال وأخراج الإحتلال في هيئة الدفاع عن النفس وتحويلنا من ضحية إلى جلاد، وقد تدفعنا هذه الصورة للسؤال عن هذه المقاومة في مقاومتها للاجتياح الشامل للمدن الفلسطينية وما أحدثته من خراب وتدمير وقتل للناس في إنتفاضة الأقصى فلم نجد لهذه المقاومة من وجود ولا لأبطالها من فعل في وجه هذه الإجتياحات، بعد أن أصبح خطاب أصحاب هذه المقاومة ينادي بالدولة المستقلة على أراضي عام 1967م.ولعل حوادث كثيرة أكدت ووضحت هذه الصورة في هذه المقاومة المُدعية شعارها الفضفاض لأعتباره حصراً على جهة دون باقي القوى الوطنية والإسلامية.
وقد يكون إدعاء المقاومة على هذا الشكل غير المُسيس والمدروس جزء من الأسباب التي زادت من عبء السلطة وإحراجها أمام المجتمع الدولي لتعزيز التنسيق الأمني والذي اليوم نحمل مسؤوليته للسلطة فقط، وإذا ما أُضيف كل هذا إلى توجه اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف والذاهب باتجاه تصفية المشروع الوطني فإن النتيجة أن المقاومة استخدمت بطريقة خاطئة وسخرت نفسها لتحقيق هدف وحيد وهو الوجود البديلي لأجل سلطة لم تكن في يوم لدى جهات ادعاء المقاومة مقبولة، ولم تعد بغير ذلك إلى حين أقامت الإمارة في غزة لتخفيف العبء عن الإحتلال وإيجاد دعائم الشراكة لتصفية المشروع الوطني بإقامة الدولة المستقلة كمبرر يغذي ويديم الإحتلال، حتى برز في خطاب قادتها السياسيين مصطلح الشعب الغزي وكأن الفلسطينيين أكثر من شعب، وهذا جزء من المشهد المشوَه الذي لايليق بشعب التضحيات والفداء.
ولعل المفاوضات وما آلت إليه نتائجياً، هو فعل إسرائيلي هادف إلى تفريغ هذه المفاوضات من قيمتها وتحويلها إلى غطاء لإسقاط الشرعية على طول عمر الإحتلال، ولعل إقتباس كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهودا اولمرت بأخر صفة رسمية له والتي كانت أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ15/9/2008 والتي سأتناولها لاحقاً ستعطي دلالة لأسباب التغييب السياسي لأي شخصية إسرائيلية يمكنها أن تصل إلى حدود الإقرار بضرورة التسليم بالحقوق الفلسطينية/ وقد يكون هذا التغييب جسدياً أو جنائياً.
وأخيراً فإن الحقوق تنتزع ولا توهب وأن الاحتلال يكسر ويكنس ولا يرجى ليرحل.
يتبع........