دموع فنانة سويسرية في وادي النار الفلسطينية- نصار يقين
على ما يسمى بحاجز الكونتينر في طريق الذاهبين من أهالي رام الله وشمال الضفة عامة إلى بيت لحم وجنوب الضفة عامة او في عكس الرحلة، فاجات فنانة سويسرية بدموعها السخية ركاب حافلة فلسطينية صغيرة حزناً عليهم، عندما انتزع جندي يهودي هويات الركاب الخضراء فقط، طالباً من السائق أن ينتظر بهم على بعد ثلاثين متراً لحين إتمام فحص شخصيات ركابه، والسماح لتلك السويسرية وامثالها بعدم إبراز جوازات سفرهم، لأن المطلوبين للفحص هم الفلسطينيين فقط.
على الطريق المسمى بوادي النار او وادي جهنم الذي فرضه الإحتلال الغبي على اهل فلسطين كي يمنعهم من عبور القدس في الإتجاهين لشل حركتهم واستنزاف طاقاتهم، زاد الصهيوني كراهة أخرى تسمى بحاجز الكونتينر، كمحطة إحتلالية جاهزة لانقضاض عسكره ومخابراته على عابري ذاك السبيل في أي وقت يشاؤون.
ما ان رأت ضيفتنا السويسرية ( التي شاء القدر ان يكون اسمها ويا للعجب جنة) هذه الحالة حتى انفجرت باكية لهول ما رأت علماً بان ما رأت لا يزيد قطعيا عن المالوف والمعروف لأهل فلسطين على كل حواجز التفتيش الصهيونية، بعض الركاب ضحك من سرعة انفعال الفنانة السويسرية على هكذا إجراء صهيوني وصبر فلسطيني ، الدموع السويسرية سالت بغزارة على خدين متوردين، فالتمعت العبرات عليهما كالدرر، كان من الضروري ان يبادر لاعب السيرك الفلسطيني نور ابو الرُب إلى محاولة تهدأة تلك الباكية ويبادر آخر بتقديم جزيل شكره لمشاعرها النبيلة تجاه شعبنا الموجوع ، بصوتها الباكي أجابته أنا لست خائفة ولكنني غاضب على سوء معاملة الجنود لكم. بعد برهة زمنية لم تكن طويلة هذه المرة ،أومأ احد جنود الحاجز للسائق بأن يتحرك لإحضار الهويات وتوزيعها على الركاب ويستانف المسير باتجاه مدينة خليل الرحمن، أثناء توقف الحافلة انشغلت السويسرية بدموعها، ولم يكن بوسعها ان ترى الواقفين على الأرض من صغار الشبان الذين لا يكتفي الجنود بأخذ هوياتهم وإبقائهم جلوساً على مقاعدهم بل يحتجزونهم أرضاً احتياطاً لكونهم مطلوبين أو ما تحمله ملامحهم او همومهم بما يبعث على الإعتقال او التوقيف.
مسكينة تلك الشقراء ذات العيون الزرقاء، مسكينة هذه الضيفة الرقيقة، إنها تبكي من لا شيء ،إنها تمر اليوم مترفة على هذه الطريق وإذا لزمتها الضرورة فيمكنها اختيار الطريق الجميل الذي مُنع الفلسطينيون من سلوكه لمدة تقترب الان من ربع القرن، أو العودة إلى وطنها المريح، ومغادرة هذا الوطن المعذب بالنكبات والمحروق بالمفاوضات، مسكينة تلك الفنانة، إنها لا تتذكر ولا تتخيل أبداً كيف بدأ مسير الناس على هذه الطريق نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات قبل ان يكون مسفلتاً أصلاً، على هذه الطريق توجد كل منغصات السفر، أهونها خطورة السير عليه رغم اجتماع كل مخاطر الطرق في وقت واحد، على هذه الطريق تلتقي الوعورة والصعود الذي يقترب من العامودي أو النزول السحيق مع الإستدارة الكاملة عند كوع لا أمل في اللحاق بمن ينزلق من فوقه قبل وصوله إلى واد يجري بالمياه العادمة القادمة من القدس الغربية كهدية من الأمم المتحدة، جاءت في اتفاقية الهدنة بين الأردن والكيان الغاصب بعد نكبة 1948 مباشرة.
المرور على طريق وادي النار يصيب الكثيرين من المسافرين بالغثيان والغضب، فبدل الطريق الجميل جداً الذي يربط بين القدس كعاصمة والبيرة كواحدة من أجمل قرى محافظة القدس قبل ان تتحد و تشكل مع أختيها رام الله وبيتونيا مدينة كبيرة ومحافظة إضافية جديدة بين القدس ونابلس، تبدأ أول برازخ طريق النار عند مخيم قلنديا في شمال القدس ونقطة بشعة أخرى شمال بيت لحم على أبواب القدس ، حيث يتم فرز الفلسطينيين ليتوجب بعدها على أربعة أخماسهم التحول إليه بدل الإستمرار في ذلك الطريق الذي كان يسمى طريق المطار( وهو جزء من طريق القدس نابلس، الذي يبدأ من باب دمشق/ العامود في قلب القدس ويسير شمالاً حتى يصل إلى أبواب نابلس ويدخلها باسم شارع القدس، والمقصود بالمطار طبعاً مطار القدس الذي أقيم قبل ثمانين سنة على أراضي قريتي قلندية ورافات من قرى شمال القدس، وليس مطار رفح الذي ضحك به علينا الغرب الأعمى وفتحه لنا لمدة يومين بطائرة واحدة ثم جعله الصهيوني حطاماً مركوماً احتراماً للممولين الكرام.
ما يقارب ربع قرن من الزمن الصعب مر على تعذيب أبناء فلسطين على هذه الطريق اللئيمة، إنها واحدة من طرق الألم والآلام في هذا العالم، كل هذا لمنع الفلسطينيين من دخول القدس بحجة الخوف من نواياهم، يدور الفلسطينيون طويلاً حول القدس في طريقهم إلى بيت لحم او العودة منها، وفي محطات كثيرة تترائى لهم أبراج القدس وتلمع في عيونهم أجزاء من قبة صخرتها الذهبية، وكأنها شمس اخرى لا تغيب ، يصر المحتلون على إدامة هذا العذاب غير آبه بما للقدس من أهمية في نفوس هؤلاء المعذبين، ربع قرن من العذاب دون ان تتدخل ما تسمى بالهيئات الدولية لرفع هذا الظلم عن شعب بأكمله، ربع قرن وما تسمى هيئات حقوق الإنسان العالمية وهي خرسة عن عذابات شعب بأكمله خشية غضب طائفة اليهود عليهم واتهامهم بالعداء للسامية وكأن الجنس البشري السامي لم ينبت منه ولم يتفرع عنه إلا اليهود، هيئة اللمم المتحدة بقيادة مجلس أمنها السافل لم تجد من دور لها في وقف تعذيب شعب بأكمله على هكذا طريق لا يجوز أبدأً أن تكون طريقاً مدنية، بينما تستنفر منظمات حقوق الإنسان عندما يعلن عن حكم شرعي بإعدام ساحرة سعودية أو عاهرة إيرانية.
إذا كان العالم كله يخرس عن هكذا جريمة بهذا الحجم، فلماذا نخرس نحن أهل فلسطين عن تقدير الضرر الواقع علينا من هذه الجريمة، يستفيد ويجني الكيان الصهيوني من أرباح توزيع النفط أكثر مما تجنيه حكومات الدول المنتجة له، الكيان اليهودي يقتات على شعب فلسطين عندما يبيعه بأسعار جشعة كل أنبوبة من البوتوغاز القادم إليه بأسعار شبه مجانية من الحبيبة مصر، ويبتز أبناء فلسطين أبشع ابتزاز عندما يمدهم بالتيار الكهربائي بأسعار جنونية رغماً عنهم، وينهب جيوبهم ويحرق قلوبهم في كل لتر من المحروقات يغذي به مركباتهم بأسعار مضاعفة، ثم بعد ذلك يضاعف عليهم المسافات لمضاعفة ما يمتصه من دمائهم ، ثم تقف شرطة فلسطين بالمرصاد لكل سائق أجرة يحمل معه راكباً زائداً عن الحمولة المصرح بها رغم قدرة هذه المركبات على حمل المزيد، غير مستذكرين لما كانت تقوم به بريطانيا السوداء أثناء كذبة الإنتداب عندما كانت تصرح للسيارت المصنوعة في فرنسا بنصف طاقتها من الحمولة مع أنها كانت تتحالف مع فرنسا في الحرب العالمية ضد ألمانيا ومحورها.
ما يقوم به الكيان الصهيوني من صور فظيعة في تعذيب اهل فلسطين، وما تخرس عنه هيئة اللمم يزيد في حجم مخزون الغضب الفلسطيني، ويزيد في مراكمة كل عناصر الكراهية بين الشعوب المظلومة والمتسلطة ليضع العالم كله على بركان كبير قابل للإنفجار بعود من الكبريت أو بعبرة من الدموع.
عودة إلى دموع السويسرية الجميلة، مرة أخرى نقول عنها مسكينة، لأنها لا تدرك حجم الجريمة التي تقوم بها بنوك وطنها في تعذيب جزء كبير من البشر في هذا العالم، سويسرا التي تتظاهر بالحياد وعدم الانحياز تقوم بدور عاصمة الربا المقيت في هذا العالم، البنوك السويسرية هي أكثر من تتستر على أرصدة لصوص الأمم، وتحجب عن الشعوب المقهورة أرصدة حكماها المخلوعين والذين هم تحت الخلع ما يجعل هذا العالم عليلاً مريضاَ ويطيل في مرضه كي يبقى اليهود صائلون جائلون بجوازات السفر الأمريكية والغربية والروسية في عالم محكوم بشريعة المال والطغيان بدل شريعة العدل والإحسان. مطلوب من شرفاء هذا الكوكب العارفين بأمور المال والاقتصاد أن يصرخوا في وجهة هيمنة الدولار الكاذبة، ووجه بنوك سويسرا لتعرية دورها المنحط كثيراً، غير معقول أن يتم حجز مبلغ أربعمائة دولار صادرة من مؤسسة عربية كمكافأة تقديرية لأديب عربي في قطر آخر شارك في التحكيم لجائزة مسابقة أدبية ريثما يتم التاكد من سبب التحويل، غير معقول أن يتم تحويل ثلاثمائة دولار من نابلس أو غزة إلى القاهرة عن طريق نيويورك بحجة ان عملة التحويل أمريكية فاقتضى الأمر ان يبيت التحويل ليلتين في نيويورك، بينما تنساب الهبات والضمانات والتحويلات المشبوهة لأمر صهيون بدون رقيب ولا حسيب ليحرق الفلسطينيين في وادي النار وغيرها، ونماذج أخرى مضحكة مما تقوم به البنوك المركزية واشباه البنوك المركزية، تمادى النظام المصرفي العالمي في طغيانه وتمادى الدولار الأمريكي في غطرسته فاستحق من الشرفاء محاربته، وبغير ذلك يصعب الخلاص والتحرير، ومع ذلك نشكر للضيفة السويسرية صادق دموعها ونقدم لها وافر احترامنا.