الاحتلال يدمر مواقع الحضارة الأولى - *صالح طوافشة
إلى الغرب من مدينة رام الله وعلى بعد 20 كم تقريبا يقع وادي الناطوف وكهف شقبا الموجودان على المنحدرات الشمالية لجبال شمال غرب القدس، ويعدان أبرز المواقع التي تجسد الحضارة الناطوفية في العالم.
هذه الحضارة الإنسانية التي وجدت على أرض فلسطين قبل 12 الف عام تقريبا امتازت بأنها سبقت مرحلة الزراعة التي قامت على تدجين النبات والحيوان واندماجهما في حياة الانسان المستقرة.
وقد اعتمد اقتصاد الإنسان فيها على الصيد والجمع والالتقاط، كما أن الأدوات الحجرية الموجودة في الموقع والتي قام الإنسان بتصنيعها لمساعدته في حياته اليومية تعتبر أبرز النماذج المعروفة عن تلك الحقبة، وقد شملت أسلحة وشظايا مسننة وأدوات دائرية وفؤوس يدوية ومثاقب، وكمية كبيرة من المقاشط وشفرات مناجل مصنوعة من الصوان استخدمت في حصاد الحبوب البرية والقش.
لقد دلت الحفريات التي أجريت في كهف شقبا قام بها عالما الآثار جارود ومالون، أن هذه الحضارة شكلت البداية الحقيقية للتحول الذي طرأ على حياة الانسان منذ اقدم العصور فيما يتعلق بالتطور النوعي في صناعة الأدوات الحجرية وإدراكه الذي بدأ يتبلور نحو الاستقرار والإنتاج في المرحلة التي سبقت ظهور الحياة الزراعية في فلسطين.
إن وادي الناطوف جنوب قرية شقبا يقع في ما يسمى منطقة (ج) وقد أحدثت الأعمال التي تقوم بها قوات الاحتلال تشويها وتدميرا لذلك الموقع الذي يعد أبرز مواقع الحضارة الناطوفية، حيث أقدمت قوات الاحتلال على شق الطرق الالتفافية التي تربط المستوطنات ببعضها وأقامت الجدران الحجرية الضخمة على منحدر الوادي، ما أدى إلى تشويه الموقع وتخريب الكثير من أجزائه.
فضلا عن ذلك فقد أقدمت قوات الاحتلال على عمل كسارة ضخمة في الجانب الغربي من وادي الناطوف وهي تقوم بتغير ملامح المكان بالكامل وتشويه معالم تلك المنطقة، بحيث أصبحت تلك الكسارة الضخمة تفصل الوادي عن محيطه، وقد دمرت جزءا كبيرا من وادي الناطوف وطمست معالمه.
إن هذه الأعمال وغيرها التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي من تدمير المواقع الحضارية للشعب الفلسطيني، إنما يدل على همجية هذا المحتل ونقمته على تاريخنا وتراثنا اللذان يشكلان جزءا من الهوية الوطنية الفلسطينية.
وأدرجت وزارة السياحة والآثار هذا الموقع على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي، لأنه يعتبر نواة الحضارة الناطوفية في العالم، وأن هذه الأعمال التي تقوم بها قوات الاحتلال تعتبر مخالفة للاتفاقيات الدولية وقوانين اليونسكو الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية والحفاظ عليها.
من هنا أدعو كافة المؤسسات المحلية والدولية من أجل التصدي لهذه الأعمال، ووقف هذه الممارسات والتصدي لمحاولات طمس تاريخ وحضارة شعبنا بكافة الوسائل، لتبقى هذه الحضارة شاهدا على حق الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه.
* مدير آثار محافظة رام الله والبيرة