يوميات من معركة الأسرى ( 5 ) ... - د. مازن صافي
اليوم العاشر من معركة الأمعاء الخاوية :
اليوم العاشر من معركة الأسرى يصادف 26 أبريل ، يوما ربيعيا مشرقا ، تألق البحر المتوسط بزرقة لازوردية موشاة بضياء الشمس الذهبية ، وفي مثل هذا العام منذ 9 سنوات استشهدت أم فلسطينية بعد إصابتها برصاص جندي محتل إسرائيلي والجدير ذكره أن هذه الأم هي أم لستة أطفال ، تداهمنا الأحداث المرعبة ، أذكر هذه الأم الشهيدة وأتذكر أطفالها الستة الذين كبر بعضهم وأصبحوا شبابا ، وفي مثل أعمارهم هناك العشرات في المعتقلات الإسرائيلية ، مجتمعنا الفلسطيني تحيط به الأخطار المحدقة من كل الجوانب وعلى كافة المستويات .. ولازالت العواصم العربية صامتة ، غارقة في تفاصيل ما يجري فيها أو يجري على مستوى العواصم العربية .. هذه الشمس الذهبية فوق مساحات الزنازين في المعتقلات الإسرائيلية تلملم أوشحتها الأرجوانية ، قاصدة مخدع نومها .. الزنزانة " الحبس الانفرادي " تقع في قبو مظلم خانق رطب .. الطحلب الأخضر يسو الجدران ، ورائحة العفونة عنيدة قوية ، ترغم الأسير على استنشاقها ، بالإضافة إلى ما يعانيه ويقاسيه من عذابات الظلام والوحشة وذاك الهواء الفاسد .
أعجبني حديث أحد الأصدقاء حين قال لي " إن إسرائيل هي مصدر فقرنا وبؤسنا وشقائنا .. وأن ما تتمتع به إسرائيل اليوم يقابله حرمان لنا .. "
لهذا كله يبدع العقل الفلسطيني للخلاص من الاحتلال ، يبدع في العلم والتعلم ، يبدع في كل مستويات الصمود والإرادة ، فالوعي الفلسطيني هو مفتاح القرار .. ونحن كشعب فلسطيني منذ الاحتلال ، أُخضع قرابة مليون مواطن منه من ظروف اعتقالية مختلفة ومتفاوتة ، نؤمن بأن المعتقل لا ينبت سوى الإحساس بالظلم ، وبين القرار والإحساس ولدت الإرادة وهوية البقاء فوق الأرض ، وحين ارادة إسرائيل تحويل المعتقل الى موت بطيء ، كان القرار الفلسطيني ومن داخل المعتقلات البدء في معركة الأمعاء الخاوية ، إضراب شامل لن يتوقف حتى تتحقق مطالب معتقلينا أسرانا الأبطال ..
هذه المعركة برغم أنها فرضتها سياسة الاحتلال العنجهية ولم يكن هناك من خيارات أخرى دونها ، فهي تصيب الأسير بالتعب والإنهاك وتتضاعف معاناته .. هذه المعركة سبقها وتزامن معها تجارب لعشرات الأسرى ، تجربة الإضراب عن الطعام ، وكانت تجربة خضر عدنان وهناء الشلبي قد فتحت الباب لتنفيذ هذه الإستراتيجية " معركة الأمعاء الخاوية" . فقد نجح الاثنان في استعادة الحرية عبر إضراب مفتوح عن الطعام، كانا فيه على استعداد للصمود حتى الموت.
ان قناعتنا تقول أن الاعتماد على " مقاومة " قرابة خمسة آلاف معتقل إلى ما لا نهاية وهم في السجن ، وبرغم إرادتهم الفولاذية وشجاعتهم الأسطورية ، إلا أن هذا الاعتماد غير واقعي ، فهم بحاجة إلى مساعدتنا جميعا ، بحاجة إلى نساندهم ونشاركهم ونتضامن معهم ونعمل كل ما بوسعنا لكي تصلهم رسالة الجماهير " أسرانا لا سجانيكم .. الجوع ولا الركوع .. صبرا صبرا يا أسير " .. على الجميع وبكل المستويات أن يقوموا بنوع من العمل الايجابي لمواجهة الأوضاع المتردية في المعتقلات الاحتلالية .
ان معتقلينا وهم يدخلون في يوم المعركة العاشر ، يحرمهم المحتل وإدارة السجون من ابسط حقوقهم ، واحتياجاتهم الأساسية ابعد ما تكون عن المستوى اللائق .. إن إسرائيل تتعمد إذلالهم وإخضاعهم إلى قانونها الاحتلالي ، إنهم في أوضاع بشعة جدا لا يمكن لإنسان متحضر أن يقبلها ، وفي المقابل فإن الاحتلال يتجاهل حقوق أسرانا ومطالبهم وعلى رأسها حقوقهم الإنسانية .
وتحسبا للكارثة الوشيكة التي ربما تحدث في المعتقلات الاحتلالية ، يجب على المنظمات الدولية أن تقوم بواجباتها وتقف على معاناة الأسرى . إن إسرائيل تخشى من أنسنة القضية الفلسطينية وشرعيتها وإنقاذها من الاستحواذ الإسرائيلي عليها، كما تخشى من صوت التضامن الإنساني وفضح طبيعة الاحتلال أمام العالم، إنها تخشى صوت حقوق الإنسان والقانون. لهذا على الإعلام الفلسطيني وكافة تواجده الدبلوماسي والسياسي على مستوى العالم أن يبدؤوا في فضح هذه السياسة الاحتلالية ، والعمل على إبراز قضية الأسرى وحقوقهم ومطالبهم وأسباب إضرابهم الشامل وذكر تفصيلات عن أعمارهم وأحوالهم الصحية ، علينا ألا ننظر إلى قضية الأسرى على أنها قضية ستعبر بعد قليل وتنتهي ، بل هي قضية فلسطين ويجب أن تجد طريقها إلى الحل .