حكاية الإعلام الموحد على لسان محمد سليمان "أبو إبراهيم"
زلفى شحرور
واكب الإعلام الفلسطيني بأدواته المختلفة من الكلمة والصورة والصوت نضال الشعب الفلسطيني في ثورته الحديثة، ولم يكن إبداعه أقل من إبداع مقاتليه، وشكل أوركسترا عزفت سيمفونية النضال على وتر المطالبة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإيصال صوت ثورته لكل أرجاء المعمورة.
التجريب كان سيد الموقف في البدايات، لكنه سرعان ما بدأ يأخذ طريقه نحو المآسسة، ونحو التوحد في إطار إعلامي تابع لمنظمة التحرير وممثلا لسياساتها.
الإعلام الموحد اسم جامع لمؤسسات إعلامية عدة ضمت: "فلسطين الثورة،" والسينما، والإذاعة، والتصوير، و"وفا" والإعلام الخارجي والإعلام الجماهيري.
عن هذه التجربة بحلوها ومرها وسلبياتها وإيجابياتها، حدثنا نائب رئيس تحرير مجلة "فلسطين الثورة محمد سليمان "أبو إبراهيم" عن هذه التجربة.
قال "أبو إبراهيم" إن مؤسسة الإعلام الموحد كانت وزارة إعلام رسمية عربية، مع مهام إضافية بالعمل على المناسبات الفلسطينية من زاوية تحضير المادة الإعلانية والدعائية للمناسبة من بوسترات ومعارض وهدايا تذكارية صغيرة.
وأضاف: تأسس الإعلام الموحد بعد خروج الفصائل الفلسطينية من الأردن باتجاه دمشق بعد أحداث أيلول (معارك طاحنة بين الفدائيين والجيش الأردني)، كان هناك حراك تمحور حول فكرة توحيد أدوات عمل منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية والمالية بما فيها الإعلام، واستقر الرأي على فكرة التوحيد في العام 1972.
وتابع: قدم المؤتمر الشعبي الأول الذي عقد على هامش الدورة الاستثنائية العاشرة للمجلس الوطني في القاهرة بين 6-10 نيسان عام 1972 توصيته بتوحيد وسائل الإعلام الفلسطينية في جهاز واحد، على أن تقوم الفصائل بإلغاء وسائل إعلامها وإن تنتظم جميعها في جهاز واحد.
وبالفعل أخذ المجلس الوطني بهذه التوصية، وفكر بإتباعها بدائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير، لكن حجم الوحدة التي كان عدد موظفيها لا يتجاوز الأربعة أشخاص لا يمكن له استيعاب حجم العمل الجديد، وتقرر استحداث جهاز جديد للإشراف على هذا العمل وسمى الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية، وعين عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مسؤول الدائرة الإعلامية والثقافية كمال ناصر مسؤولا له كما أصبح أيضا الناطق الرسمي باسم المنظمة.
وتابع ابو ابراهيم سرد حكاية الإعلام الموحد، فقال "أبدت الفصائل الفلسطينية اهتماما بالتنفيذ وبدأت بإرسال مندوبيها للإعلام، وكانت حركة فتح معنية كثيرا بإنجاح الجسم الجديد، ووضعت كل إمكانياتها تحت تصرف كمال ناصر".
والتقى كمال ناصر بعد صدور القرار مع مفوض الإعلام في حركة فتح كمال عدوان لبحث التوحيد، وبالفعل تم توحيد جميع محطات الإذاعة التي كانت تبث من القاهرة والجزائر وبغداد، وبدأت تبث منذ 13-5-1972 باسم "صوت فلسطين، صوت منظمة التحرير الفلسطينية"، وكذلك أصبحت كل مكاتب إعلام فتح في الشام وبغداد تابعة للإعلام الموحد.
كما جرى وقف النشرات والصحف التي كانت تصدر عن الفصائل، وصارت تصدر مجلة "فلسطين الثورة"الأسبوعية باعتبارها المجلة المركزية لمنظمة التحرير، وصاحب فكرة الاسم كان كمال ناصر نفسه الذي شغل منصب رئيس تحرير فيها إضافة إلى مهامه، وصدر العدد الأول من "فلسطين الثورة" يوم 28/5/1972.
والتزم الجميع بوقف نشراته باستثناء "الصاعقة" التي كانت تصدر مجلتها "الطلائع"، وانسحبت بعد شهر من التوحيد، وظلت الجبهة الشعبية تصدر نشرتها ولكن بصورة متباعدة.
وأضاف:ظل الإعلام الموحد مسؤولية كمال ناصر حتى تاريخ استشهاده في نيسان من العام 1973، وصار الإعلام بعد ذلك يدار من قبل مسؤولية التنفيذيين حنا مقبل ونزيه أبو نضال لفترة زمنية، وبعد دراسة الموضوع تم تثبيت احمد عبد الرحمن مسؤولا لإذاعة درعا، وزياد عبد الفتاح لـ"وفا"، والطيب عبد الرحيم مسؤول "صوت فلسطين" في القاهرة، وماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الموحد، وظل كذلك حتى استشهاده في صيف العام 1981.
وبعد استشهاد أبو شرار والخروج من بيروت في العام 1982، تولى مسؤولية الجهاز احمد عبد الرحمن، وصار الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب التشتت صار هناك نوع من اللامركزية في العمل، وصار كل مسؤول جهاز على اتصال مباشر بأبو عمار ومع قيام السلطة الوطنية انتهت الحاجة للإعلام الموحد.
وعن نشأة "وفا"، قال أبو إبراهيم "كان عند "فتح" مكتب إعلام كان يوزع أخبارا يومية على الصحف عبر الهاتف، وكان عنده توجه لتأسيس وكالة أنباء، وكانت واحدة من التوصيات التي نقلها كمال عدوان المفوض الإعلامي لحركة "فتح"، عندما قدم تقريره التفصيلي عن وضع الإعلام في الحركة ومن ضمنه مقترحات تطوير، وكان هناك اتفاق قبل التوحيد على صدور تأسيس وكالة أنباء فلسطينية، وكان يتم توزيع أخبار باسمها، ولكن كان هناك نية حول اختصار التعريف، فبدأت الاقتراحات حتى استقر على اسم "وفا" وبالفعل صدرت نشرة "وفا" الأولى في 15-6-1972.
وأضاف: بعد ذلك صارت "وفا" تصدر نشرة باللغة الانجليزية، ومن هذه الفكرة خُلقت فكرة الإعلام الخارجي، وأصدرت نشرات باللغة الانجليزية والفرنسية، واستقبل الصحفيون الأجانب والمساعدة في انجاز مهامهم.
وتابع "بذات الطريقة تحولت وحدة السينما والتصوير التابعة لإعلام فتح إلى مؤسسة السينما والتصوير، وظلت هذه المؤسسات الإعلامية الناطقة والمعبرة عن سياسات منظمة التحرير الفلسطينية، لكن مع الوقت تقلص دور الفصائل في هذه المؤسسات التي ذهبت باتجاه إصدار صحفها للتعبير عن موقفها وتغطية نشاطاتها، وقد كانت نشرات "الهدف" و"الحرية" و"إلى الأمام" تصدر بترخيص لبناني".
وظل الإعلام الإطار الموحد والجامع للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية حتى تشكيل جبهة الرفض، وبعدها تحول معظم العاملين فيه لكوادر فتح والمستقلين.
وقال أبو إبراهيم "العمل الجماعي كان الجهد الرئيسي فيه لفتح، وحجم مشاركة الفصائل كان محدودا، وبدأ يتولد لدى هذه الفصائل موقف من الاستمرار والدعم، ففكرتهم عن التوحيد أن تغطي المجلة المركزية أنشطتهم، في حين تمركز عمل مجلة "فلسطين الثورة" الناطقة باسم منظمة التحرير على تغطية أنشطة وتصريحات المنظمة وقادتها".
وعن مستوى مهنية الكادر العامل في الإعلام حينها، قال "خريجو الإعلام كانوا قلة، والغالب تعلم المهنة من خلال التجربة والخبرة، وأي خلل كانت تتم تغطيته بحماس الناس، مثلا كانت تصل "فلسطين الثورة" مقالات عديدة للنشر من الكتاب العرب واللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، وكان هناك تنافس وتبارز في المشاركة في الإعلام الموحد من الفنانين التشكيلين والأدباء والشعراء".
وأضاف: كانت هذه الفترة مهمة في حياة الإعلام ..عنوانها الحماس، ولم تكن الكتابة من أجل الشهرة بل من أجل المساهمة، فلسطين الثورة صدرت خلال السنوات الخمس الأولى من عمرها بدون أسماء.
ويرى أبو إبراهيم أن الثورة الفلسطينية كانت ملجأ لكل العرب الحالمين بالحرية والفارين من بطش أنظمتهم، مثل الشيوعيين العراقيين الفارين من بطش حاكمهم آنذاك بعد إغلاق منابرهم وصحفهم، والمناضلين المصريين الذين هجروا مصر بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، استقبلتهم واحتضنتهم منظمة التحرير بكل تنوعاتهم واختصاصاتهم، هؤلاء اغنوا وأسهموا بدور جيد بتطوير الإعلام الفلسطيني على كل المستويات.
وأضاف: بدون العراقيين ما كان للإعلام الموحد أن ينتج هذا الكم الهائل من الملصقات والبوسترات في المناسبات لاستخدامها في لبنان وخارج لبنان وتعجز دول عن إنجازه، إضافة لقيامهم بتدريب الكادر.
وعن الإعلام الموحد في المنفى، قال "بعد الخروج تأثر عمل الإذاعة، وتقلص وظلت محصورة في بغداد وصنعاء وعدن، لكن "وفا" عادت للصدور وبذات الزخم من تونس، وصدرت مجلة "فلسطين الثورة" بعد توقف استمر لشهر في 28/9/1982 بغلاف استشهاد أبو الوليد سعد صايل.
وأضاف: كانت "فلسطين الثورة" توزع من قبرص ما بين 70-80 ألف نسخة على كل الجاليات والسفارات وفي الأرض المحتلة التي كانت تصل لأفراد بعينهم، وكنا نرسل لبعض العناوين خمس نسخ، مثل مكتبة بيرزيت لضمان وصول نسخة على الأقل للجامعة.
وعن مهنية هذا الإعلام، قال "من واقع تجربتنا الخاصة في مجلة "فلسطين الثورة" في بيروت، كنا نعمل كإعلام تحريضي وتعبوي، وكان لعملنا وظيفة إعلامية مباشرة، لكن في مرحلة قبرص تغيرت الطريقة وصار شعارنا قليل من الإعلام وكثير من الصحافة، ونجحنا في ذلك إلى حد ما وكان يمكن أن يكون الأداء أفضل، وهذا التحول جاء على حساب التحريض والتعبئة الذي ظل موجودا ولكن بصورة أقل وصارت صحافة، وصارت هذه الصحافة عقد الوصل بين الجماهير الفلسطينية أينما كانوا وبين القضية الوطنية وكانت تقوم بأكثر من وظيفة والمهنية تعلمناها بحكم الخبرة، ودائما استشهد بما قاله حسن البطل من أن هامش الحرية المتاح له في مجلة "فلسطين الثورة" أعلى من الهامش في الأيام".
وأضاف "كنا صحافة رسمية، ونراعي الكثير من القضايا حتى لا نتسبب بالإحراج للقيادة الفلسطينية، ولا نتسبب بالأذى لعلاقات منظمة التحرير، خاصة مع الأنظمة العربية والتي كان فيها الكثير من التعقيدات، وكانت البراعة في إيصال الموقف والتحايل عليه، وكنا نعمل كإعلام للتعبير عن هذه السياسات ونتشاطر لتحسين هذه العلاقات".
وقال: هناك قضايا لا يعرفها الكثير من الناس، فمنذ العام 1982 حتى العام 1994 لم يصلنا تعليمات بخصوص الخط الإعلامي، كانت تحدث مراجعات لكنها قليلة، وكانت بسياق استفسار المحتج على الموقف لإرضائه، وكان يراجع رئيس التحرير ولا يراجع الكاتب، وكنا نستشف الموقف السياسي واتجاهات هذه السياسة من تصريحات أبو عمار والقيادة.
وعن علاقة هذا الإعلام بالمنظومة الإشتراكية، قال "نحن مدانون لهذه الأنظمة، قدموا لنا كل شيء في وقت كنا نحتاج فيه إلى أي شيء يدعم مسيرتنا، أسهموا بمساعدتنا بشكل كبير على مستوى الخبرة والتطبيق والاتصالات والعلاقات، ودعمونا في أن نكون جزءا من الجسم الإعلامي العالمي، كما أسهمت علاقاتنا مع الصحافة الديمقراطية في أوروبا الغربية ومشاركتنا في كل مناسباتهم بفعالية بإتاحة المنابر الإعلامية لنا بتقديمنا للعالم، وكذلك ساهم إعلام الدول الاشتراكية الذي دعمنا بكل الإمكانيات المادية بتوقيع برتوكولات تعاون.
وأضاف "هذه العلاقات أسست لتوطيد علاقة منظمة التحرير الفلسطينية مع هذه الدول، ولم تكن هذه العلاقات ترجمة مباشرة لتطور العلاقات السياسية فقط، بل ساهمت في توسيع قاعدة الدعم في أوساط الصحافة في بلدان أوروبا الشرقية، فمثلا "وفا" كان لها علاقات واسعة مع وكالات دول عدم الانحياز ومع وكالات الدول الاشتراكية، فمن خلال وكالة دول عدم الانحياز "بول" كانت توزع "وفا"، ومن خلال وكالة "برنس لاتينا" الكوبية والتي كانت تقوم بترجمة "وفا" إلى الاسبانية وتقوم بتوزيعها يوميا على وكالات أمريكا اللاتينية".
وعن تأثر الإعلام الموحد وتأثره اللبناني، قال "أبو إبراهيم: تأثرنا بمهنية الإعلام اللبناني، وكنا نؤثر فيه من زاوية تغطيته للحدث الفلسطيني والذي كان حدثا لبنانيا أيضا، وكنا نساعدهم في تطوير الخبر حيث لا يستطيعون أن يصلوا من زاوية المعلومة والإحصائية.
ملاحظة:مرفق ملف صور بحادثة اغتيال الشهيد كما ناصر، وملف آخر ببوسترات الإعلام الموحد، للاطلاع الرجاء الضغط على الرابط http://www.wafaimages.ps/.
واكب الإعلام الفلسطيني بأدواته المختلفة من الكلمة والصورة والصوت نضال الشعب الفلسطيني في ثورته الحديثة، ولم يكن إبداعه أقل من إبداع مقاتليه، وشكل أوركسترا عزفت سيمفونية النضال على وتر المطالبة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإيصال صوت ثورته لكل أرجاء المعمورة.
التجريب كان سيد الموقف في البدايات، لكنه سرعان ما بدأ يأخذ طريقه نحو المآسسة، ونحو التوحد في إطار إعلامي تابع لمنظمة التحرير وممثلا لسياساتها.
الإعلام الموحد اسم جامع لمؤسسات إعلامية عدة ضمت: "فلسطين الثورة،" والسينما، والإذاعة، والتصوير، و"وفا" والإعلام الخارجي والإعلام الجماهيري.
عن هذه التجربة بحلوها ومرها وسلبياتها وإيجابياتها، حدثنا نائب رئيس تحرير مجلة "فلسطين الثورة محمد سليمان "أبو إبراهيم" عن هذه التجربة.
قال "أبو إبراهيم" إن مؤسسة الإعلام الموحد كانت وزارة إعلام رسمية عربية، مع مهام إضافية بالعمل على المناسبات الفلسطينية من زاوية تحضير المادة الإعلانية والدعائية للمناسبة من بوسترات ومعارض وهدايا تذكارية صغيرة.
وأضاف: تأسس الإعلام الموحد بعد خروج الفصائل الفلسطينية من الأردن باتجاه دمشق بعد أحداث أيلول (معارك طاحنة بين الفدائيين والجيش الأردني)، كان هناك حراك تمحور حول فكرة توحيد أدوات عمل منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية والمالية بما فيها الإعلام، واستقر الرأي على فكرة التوحيد في العام 1972.
وتابع: قدم المؤتمر الشعبي الأول الذي عقد على هامش الدورة الاستثنائية العاشرة للمجلس الوطني في القاهرة بين 6-10 نيسان عام 1972 توصيته بتوحيد وسائل الإعلام الفلسطينية في جهاز واحد، على أن تقوم الفصائل بإلغاء وسائل إعلامها وإن تنتظم جميعها في جهاز واحد.
وبالفعل أخذ المجلس الوطني بهذه التوصية، وفكر بإتباعها بدائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير، لكن حجم الوحدة التي كان عدد موظفيها لا يتجاوز الأربعة أشخاص لا يمكن له استيعاب حجم العمل الجديد، وتقرر استحداث جهاز جديد للإشراف على هذا العمل وسمى الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية، وعين عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مسؤول الدائرة الإعلامية والثقافية كمال ناصر مسؤولا له كما أصبح أيضا الناطق الرسمي باسم المنظمة.
وتابع ابو ابراهيم سرد حكاية الإعلام الموحد، فقال "أبدت الفصائل الفلسطينية اهتماما بالتنفيذ وبدأت بإرسال مندوبيها للإعلام، وكانت حركة فتح معنية كثيرا بإنجاح الجسم الجديد، ووضعت كل إمكانياتها تحت تصرف كمال ناصر".
والتقى كمال ناصر بعد صدور القرار مع مفوض الإعلام في حركة فتح كمال عدوان لبحث التوحيد، وبالفعل تم توحيد جميع محطات الإذاعة التي كانت تبث من القاهرة والجزائر وبغداد، وبدأت تبث منذ 13-5-1972 باسم "صوت فلسطين، صوت منظمة التحرير الفلسطينية"، وكذلك أصبحت كل مكاتب إعلام فتح في الشام وبغداد تابعة للإعلام الموحد.
كما جرى وقف النشرات والصحف التي كانت تصدر عن الفصائل، وصارت تصدر مجلة "فلسطين الثورة"الأسبوعية باعتبارها المجلة المركزية لمنظمة التحرير، وصاحب فكرة الاسم كان كمال ناصر نفسه الذي شغل منصب رئيس تحرير فيها إضافة إلى مهامه، وصدر العدد الأول من "فلسطين الثورة" يوم 28/5/1972.
والتزم الجميع بوقف نشراته باستثناء "الصاعقة" التي كانت تصدر مجلتها "الطلائع"، وانسحبت بعد شهر من التوحيد، وظلت الجبهة الشعبية تصدر نشرتها ولكن بصورة متباعدة.
وأضاف:ظل الإعلام الموحد مسؤولية كمال ناصر حتى تاريخ استشهاده في نيسان من العام 1973، وصار الإعلام بعد ذلك يدار من قبل مسؤولية التنفيذيين حنا مقبل ونزيه أبو نضال لفترة زمنية، وبعد دراسة الموضوع تم تثبيت احمد عبد الرحمن مسؤولا لإذاعة درعا، وزياد عبد الفتاح لـ"وفا"، والطيب عبد الرحيم مسؤول "صوت فلسطين" في القاهرة، وماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الموحد، وظل كذلك حتى استشهاده في صيف العام 1981.
وبعد استشهاد أبو شرار والخروج من بيروت في العام 1982، تولى مسؤولية الجهاز احمد عبد الرحمن، وصار الناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب التشتت صار هناك نوع من اللامركزية في العمل، وصار كل مسؤول جهاز على اتصال مباشر بأبو عمار ومع قيام السلطة الوطنية انتهت الحاجة للإعلام الموحد.
وعن نشأة "وفا"، قال أبو إبراهيم "كان عند "فتح" مكتب إعلام كان يوزع أخبارا يومية على الصحف عبر الهاتف، وكان عنده توجه لتأسيس وكالة أنباء، وكانت واحدة من التوصيات التي نقلها كمال عدوان المفوض الإعلامي لحركة "فتح"، عندما قدم تقريره التفصيلي عن وضع الإعلام في الحركة ومن ضمنه مقترحات تطوير، وكان هناك اتفاق قبل التوحيد على صدور تأسيس وكالة أنباء فلسطينية، وكان يتم توزيع أخبار باسمها، ولكن كان هناك نية حول اختصار التعريف، فبدأت الاقتراحات حتى استقر على اسم "وفا" وبالفعل صدرت نشرة "وفا" الأولى في 15-6-1972.
وأضاف: بعد ذلك صارت "وفا" تصدر نشرة باللغة الانجليزية، ومن هذه الفكرة خُلقت فكرة الإعلام الخارجي، وأصدرت نشرات باللغة الانجليزية والفرنسية، واستقبل الصحفيون الأجانب والمساعدة في انجاز مهامهم.
وتابع "بذات الطريقة تحولت وحدة السينما والتصوير التابعة لإعلام فتح إلى مؤسسة السينما والتصوير، وظلت هذه المؤسسات الإعلامية الناطقة والمعبرة عن سياسات منظمة التحرير الفلسطينية، لكن مع الوقت تقلص دور الفصائل في هذه المؤسسات التي ذهبت باتجاه إصدار صحفها للتعبير عن موقفها وتغطية نشاطاتها، وقد كانت نشرات "الهدف" و"الحرية" و"إلى الأمام" تصدر بترخيص لبناني".
وظل الإعلام الإطار الموحد والجامع للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية حتى تشكيل جبهة الرفض، وبعدها تحول معظم العاملين فيه لكوادر فتح والمستقلين.
وقال أبو إبراهيم "العمل الجماعي كان الجهد الرئيسي فيه لفتح، وحجم مشاركة الفصائل كان محدودا، وبدأ يتولد لدى هذه الفصائل موقف من الاستمرار والدعم، ففكرتهم عن التوحيد أن تغطي المجلة المركزية أنشطتهم، في حين تمركز عمل مجلة "فلسطين الثورة" الناطقة باسم منظمة التحرير على تغطية أنشطة وتصريحات المنظمة وقادتها".
وعن مستوى مهنية الكادر العامل في الإعلام حينها، قال "خريجو الإعلام كانوا قلة، والغالب تعلم المهنة من خلال التجربة والخبرة، وأي خلل كانت تتم تغطيته بحماس الناس، مثلا كانت تصل "فلسطين الثورة" مقالات عديدة للنشر من الكتاب العرب واللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، وكان هناك تنافس وتبارز في المشاركة في الإعلام الموحد من الفنانين التشكيلين والأدباء والشعراء".
وأضاف: كانت هذه الفترة مهمة في حياة الإعلام ..عنوانها الحماس، ولم تكن الكتابة من أجل الشهرة بل من أجل المساهمة، فلسطين الثورة صدرت خلال السنوات الخمس الأولى من عمرها بدون أسماء.
ويرى أبو إبراهيم أن الثورة الفلسطينية كانت ملجأ لكل العرب الحالمين بالحرية والفارين من بطش أنظمتهم، مثل الشيوعيين العراقيين الفارين من بطش حاكمهم آنذاك بعد إغلاق منابرهم وصحفهم، والمناضلين المصريين الذين هجروا مصر بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، استقبلتهم واحتضنتهم منظمة التحرير بكل تنوعاتهم واختصاصاتهم، هؤلاء اغنوا وأسهموا بدور جيد بتطوير الإعلام الفلسطيني على كل المستويات.
وأضاف: بدون العراقيين ما كان للإعلام الموحد أن ينتج هذا الكم الهائل من الملصقات والبوسترات في المناسبات لاستخدامها في لبنان وخارج لبنان وتعجز دول عن إنجازه، إضافة لقيامهم بتدريب الكادر.
وعن الإعلام الموحد في المنفى، قال "بعد الخروج تأثر عمل الإذاعة، وتقلص وظلت محصورة في بغداد وصنعاء وعدن، لكن "وفا" عادت للصدور وبذات الزخم من تونس، وصدرت مجلة "فلسطين الثورة" بعد توقف استمر لشهر في 28/9/1982 بغلاف استشهاد أبو الوليد سعد صايل.
وأضاف: كانت "فلسطين الثورة" توزع من قبرص ما بين 70-80 ألف نسخة على كل الجاليات والسفارات وفي الأرض المحتلة التي كانت تصل لأفراد بعينهم، وكنا نرسل لبعض العناوين خمس نسخ، مثل مكتبة بيرزيت لضمان وصول نسخة على الأقل للجامعة.
وعن مهنية هذا الإعلام، قال "من واقع تجربتنا الخاصة في مجلة "فلسطين الثورة" في بيروت، كنا نعمل كإعلام تحريضي وتعبوي، وكان لعملنا وظيفة إعلامية مباشرة، لكن في مرحلة قبرص تغيرت الطريقة وصار شعارنا قليل من الإعلام وكثير من الصحافة، ونجحنا في ذلك إلى حد ما وكان يمكن أن يكون الأداء أفضل، وهذا التحول جاء على حساب التحريض والتعبئة الذي ظل موجودا ولكن بصورة أقل وصارت صحافة، وصارت هذه الصحافة عقد الوصل بين الجماهير الفلسطينية أينما كانوا وبين القضية الوطنية وكانت تقوم بأكثر من وظيفة والمهنية تعلمناها بحكم الخبرة، ودائما استشهد بما قاله حسن البطل من أن هامش الحرية المتاح له في مجلة "فلسطين الثورة" أعلى من الهامش في الأيام".
وأضاف "كنا صحافة رسمية، ونراعي الكثير من القضايا حتى لا نتسبب بالإحراج للقيادة الفلسطينية، ولا نتسبب بالأذى لعلاقات منظمة التحرير، خاصة مع الأنظمة العربية والتي كان فيها الكثير من التعقيدات، وكانت البراعة في إيصال الموقف والتحايل عليه، وكنا نعمل كإعلام للتعبير عن هذه السياسات ونتشاطر لتحسين هذه العلاقات".
وقال: هناك قضايا لا يعرفها الكثير من الناس، فمنذ العام 1982 حتى العام 1994 لم يصلنا تعليمات بخصوص الخط الإعلامي، كانت تحدث مراجعات لكنها قليلة، وكانت بسياق استفسار المحتج على الموقف لإرضائه، وكان يراجع رئيس التحرير ولا يراجع الكاتب، وكنا نستشف الموقف السياسي واتجاهات هذه السياسة من تصريحات أبو عمار والقيادة.
وعن علاقة هذا الإعلام بالمنظومة الإشتراكية، قال "نحن مدانون لهذه الأنظمة، قدموا لنا كل شيء في وقت كنا نحتاج فيه إلى أي شيء يدعم مسيرتنا، أسهموا بمساعدتنا بشكل كبير على مستوى الخبرة والتطبيق والاتصالات والعلاقات، ودعمونا في أن نكون جزءا من الجسم الإعلامي العالمي، كما أسهمت علاقاتنا مع الصحافة الديمقراطية في أوروبا الغربية ومشاركتنا في كل مناسباتهم بفعالية بإتاحة المنابر الإعلامية لنا بتقديمنا للعالم، وكذلك ساهم إعلام الدول الاشتراكية الذي دعمنا بكل الإمكانيات المادية بتوقيع برتوكولات تعاون.
وأضاف "هذه العلاقات أسست لتوطيد علاقة منظمة التحرير الفلسطينية مع هذه الدول، ولم تكن هذه العلاقات ترجمة مباشرة لتطور العلاقات السياسية فقط، بل ساهمت في توسيع قاعدة الدعم في أوساط الصحافة في بلدان أوروبا الشرقية، فمثلا "وفا" كان لها علاقات واسعة مع وكالات دول عدم الانحياز ومع وكالات الدول الاشتراكية، فمن خلال وكالة دول عدم الانحياز "بول" كانت توزع "وفا"، ومن خلال وكالة "برنس لاتينا" الكوبية والتي كانت تقوم بترجمة "وفا" إلى الاسبانية وتقوم بتوزيعها يوميا على وكالات أمريكا اللاتينية".
وعن تأثر الإعلام الموحد وتأثره اللبناني، قال "أبو إبراهيم: تأثرنا بمهنية الإعلام اللبناني، وكنا نؤثر فيه من زاوية تغطيته للحدث الفلسطيني والذي كان حدثا لبنانيا أيضا، وكنا نساعدهم في تطوير الخبر حيث لا يستطيعون أن يصلوا من زاوية المعلومة والإحصائية.
ملاحظة:مرفق ملف صور بحادثة اغتيال الشهيد كما ناصر، وملف آخر ببوسترات الإعلام الموحد، للاطلاع الرجاء الضغط على الرابط http://www.wafaimages.ps/.