عمــــــلاقٌ فاطـــسٌ ـ بقلم: ساهر الأقرع
في الساعة الثانية والنصف فجراً حلمت حلماً جميلاً ورائعاً ولكن سُرعان ما تحول إلي كابوس ، حلمت أنني نائم على فرشة ، وحولي نساء وعصابات ومليشيات و أولاد وأطفال ، يسيل علي وجوههم الدمع ، كنت غريق بالنوم كنوم الموت الأخير، كان هناك من يقرأ فوق رأسي والذي يقرأ فوق بطني ، والذي يطاردني والذي يسرع قبل الآخر لقتلي وهناك من يهذي ، و امرأة شقت ملابسها ونفشت شعرها ، كنت أحملق بهم ، وهم مستغربون من ميت يبتسم ، كانوا يتهامسون بأن يذهب أحد للتفتيش في زحمة المقابر عن مكان لحفر القبر، وآخرين يهيئون أنفسهم لإحضار عربة من سوق "فراس" للخضار ، وهناك من أقترح أن يتم نقلي على متن سيارة ميلشيات أو سيارة عصابات تابعه لحكومة غزة أو مستوردة ..لا يهم!! فليس أحد أفضل مني.
في العمق؟؟
سألوني : ما هي وصيتك الأخيرة يا عملاق ؟؟؟ فأوصيت أن يكون :الأخ العزيز "هشام ساق الله "ابو شفيق"إمام المصلين، وأخي "كمال الرواغ"يغسلني ويحمل نعشي، و عملاقتي تطيبني برائحة المسك، وقبلا أريد إن أسجى وأنقل فوق فرشة مهترئة رمتها عملاقتي على قارعة الطريق ، لأن الفرشة كانت أمام الضيوف نظيفة مثل الوطن بمعنى (من بره هالله هالله ، ومن جوه ..يعلم الله)، وأن يكون القبر شبيها بغرفة معالي دولة رئيس الوزراء في غزة ، وأن يعلن عن موتي في المقـاهي وعبــر مكبرات الصوت وفي المساجد، وأن يكون عنوان النعي ( عمـلاق فاطس ) ، وأن يمتنع الأصدقاء والصديقات عن الصراخ وشق الجيوب ، وأن تكون الورقاء حتى تنزل دمعتها الأخيرة ، وأن يبكيني أخي العزيز "موفق مطر"وأن يدفع فاتورة الدفن تاجر كبير على أن يكون أول حرف من اسمه (م )، وأن يصنع لي أخي ماجد بوستراً ملوناً ، والاخ الحبيب والصديق العزيز المفكر د.يحيى رباح يفتح لي بيت عزاء يليق بموت عملاق في غزة ، ولا أمانع أن يكتب عني ( الفقير) عملاق السفاحين ...
صحوت من نومي على صوت الجوال كانت الساعة الثالثة فجراً ، قلت في سري (يحيي العظام وهي رميم )تناولت طعاما فاسدا غير صالح للاستهلاك البشري وغير البشري ، تم صناعته في غزة ، ثم خرجتُ لا أعرف إلى أين لم أسمع الأخبار، وإنزويت علي الرصيف علي شاطئ بحر غزة أراقب الناس وأسأل في سري إلى أين يذهب هؤلاء الذين يركبون سيارات فاخرة وجيبات آخر موديل ، كانوا يدخلون المطاعم وأنا أقف على الزجاج أشتم رائحة الطعام ، وعيناي تلاحق المارة ، اتصلت بأصدقائي ، لم أجد أحدا في بيته ، قررت إن أشتري مكسرات وبعض الهدايا إلي عملاقتي و صديقي وأخي "كمال الرواغ"، هكذا قررنا نحن الثلاثة ، حتى أحرجها وتصنع لنا طعاما في بيتها ، اللعين حسام سعيد كان مغلق هاتفه ، اتصلت بي امرأة لتسألني إن كنت قد تناولت الطعام ، أخبرتها أنني أكلت وكنت أكذب .. كتبت شيئا يشبه الفاجعة واستدنت قلما من رجل "نسيت أسمة" هذا الرجل الطيب الذي رفض إن يأخذ منا نحن العمالقة ثمن القهوة في بيت عزاء أصبت باكتئاب ، عدت إلى مكاني علي قمة الهرم اقلب أرقام الهاتف أصدقاء كثيرون يمرون في الذاكرة ، توقفت عند رقمين كان رقم الزميل "موفق مطر" أحدهما، اتصلت به وأخبرته بأنه في ضل الحديث عن توقيع المصالحة لا تزال اجهزة حماس تستدعي وتعتقل العشرات من صحفيين ومنتمين لحركة فتح ، أبتسم الرجل قائلاً من الاحتلال قلت لا والله من أبناء شعبي ثم تفاجأت بأن الذي يرد علي الهاتف كان أخي "سليمان الرواغ"، "ابو عبد الله"، قلتٌ له : هذا إنا العملاق ساهر الأقرع !!كيف حالك يا أخي !،..أتصل بي صديق كنت اعرفه منذ طفولتي" سأتذكر أسمة لاحقاً، ليقول لي أن دولة ومعالي وسعادة وفضيلة وملك ملوك الأرض والـخ رئيس وزراء دولة غزة قرر الإفراج عن كافة المخطوفين عند جلاوزة نظامه ، قلت هكذا يُكَرَم المسلمون ، كم كنت فرحا بهذا التكريم ، قلت لامرأة أعرفها : الذين طردوكِ من أمام أبواب مكاتبهم وأنتِ مكلومة سيعرفون إن هناك من يتابع أمر الفقراء وعوائلهم وأن الذين طردوكِ لن يفعلوا شيئا ومن الأفضل ألا تذهبي إليهم ، لأنهم لا يملكون حتى وجوههم ، وكفي عن البكاء ، لأن الحق سيظهر والشجاع سيكرم رغم أنفهم .
أسـتميحكم عذراً أريد أن أعود إلى حلمي لأن الموت أجمل من هكذا مواقف تافهة لا تستحق الوقوف عندها ، لأنها سخيفة حين يُطارد الفلسطيني من قبل أخاه الفلسطيني زيادةً على أنه يُطارد من قوات الاحتلال !!و سـلامٌ لكم يا أبنــاء شــعبي .