ينبغي مراجعة التسمية: "ليس أدبا أو ثقافة سجون!!".. بقلم: حسن عبد الله
الكتابة في المعتقل عملية شائكة ومعقدة، وهي خلاصة تفاعل جدلي بين الذاتي والموضوعي، وهي توق للانطلاق والانعتاق ومعانقة الانساني الرحب، بعيداً عن القضبان والاسلاك الشائكة، على قاعدة ان السجان عندما يعتقل مناضلاً فلسطينياً، فإنه يسعى لعزله عن مجتمعه، لكي يمنع تواصله السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي مع ابناء شعبه، بمعنى ان السجان لديه اجندة معنونة "بتقريب الانسان المعتقل من الموت"، اي ان يصبح رقما لا حول له ولا قوة، يشبه الانسان الحي بيولوجياً، لكنه لا يشبهه على مستوى الوعي الروحي بكل اشكال هذا الوعي من سياسي وثقافي واخلاقي وحقوقي وابداعي.
لذلك فإن "ادارات المعتقلات" وفي كل المراحل قد فرضت حصاراً ثقافياً مشدداً على المعتقلين، وتحكمت في حركة الرسالة والكتاب، بل ان تثبيت القلم والورقة والكتاب كحق طبيعي للمعتقل، تطلب اضرابات مفتوحة عن الطعام، والأمر ذاته انسحب على المذياع والتلفاز وكل المكتسبات الأخرى.
وفي مقابل سياسة التقريب من الموت، اجترح المعتقل الفلسطيني توجهاً نقيضا ، من خلال استراتيجية التقريب من الحياة"، حيث ناضل بكل الأدوات الممكنة في الاعتقال، من أجل ان يظل قريباً من الحياة. ولأن الثقافة والكتابة تشكل احد شرايين الحياة الروحية، فقد تبارى المعتقلون لاسيما في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في القراءة والكتابة والتثقيف الذاتي والجماعي، بل إن "ادارات المعتقلات" اعترفت في اكثر من مناسبة وأمام ممثلي المعتقلين، بأن المعتقلات تحولت فعلياً الى مدارس وجامعات.
اذن حينما يكتب الانسان المعتقل قصيدة او قصة او عملاً بحثياً او واجباً جامعياً، في اطار متطلبات اكاديمية، فإنه يمارس الحياة ويؤكد انسانيته، ويشعر انه يتنسم انفاس الحرية، حتى وهو يرسف في الاغلال، انسجاما مع مقولة فلسفية مفادها أن "الحرية هي معرفة الضرورة".
وقد مرت عملية الكتابة والابداع في مراحل، ولها مواصفات وخصائص. وأنا شخصيا تناولت هذه التجربة في اكثر من ثماني دراسات متكاملة، اضافة الى ما كتبه عدد من الكتاب والنقاد، لكن حصيلة ما كتب ما زالت محدودة ومبعثرة، مقارنة مع زخم التجربة وغزارة النتاجات الثقافية والابداعية وتعدد الاقلام والمواهب.
لكن الغريب في الأمر، كلما شاركت في ندوة او ورشة عمل او مؤتمر حول هذه التجربة اكتشفت من جديد تعدد التسميات والتصنيفات لما كتب وانتج في الاعتقال. فهناك من يصرّ على تسمية "أدب السجون"، وهناك من يفضل تسمية "أدب الاسرى"، وفريق ثالث اختار "أدب المعتقلات".
وفي رأيي، أن "ادب السجون" تسمية خاطئة مئة في المئة، فالمعتقل ليس سجيناً ارتكب مخالفة جنائية لا تتوافق مع القوانين الاسرائيلية، فسجن بسبب ذلك. ونحن ندرك ان السجان يصر على تسمية المعتقل الفلسطيني بالسجين ومخاطبته بذلك شفوياً وكتابياً، لتثبيت انه خارق للقوانين مثل اللص او المغتصب، متجنباً استعمال تسمية معتقل او اسير لدلالاتها السياسية والحقوقية والنضالية والاخلاقية.
اما بخصوص تسمية الاسير، فنحن نطلق هذه التسمية على اعتبار ما سيكون، او من باب طموحنا، متمنين ان تجبر المؤسسات الحقوقية الدولية سلطات الاحتلال على معاملة المعتقل الفلسطيني، في اطار مكانة وحقوق واعتبارات اسير الحرب، استناداً الى اتفاقية جنيف الرابعة. فهل واقع المعتقل الفلسطيني الآن واقع اسير ؟. هناك فرق بين الطموح والواقع المرير . فلماذا اذن نسوِّق للعالم هذه التسمية وكأننا وصلنا بأوضاع المعتقل الفلسطيني الى مكانة الاسير!! أليس في ذلك تجميل غير مقصود لوجه الاحتلال، وكأننا نزيف واقعاً، او نخطئ في توصيفه.
في بداية الثمانينيات شهد معتقل عسقلان نقاشا بين المعتقلين حول تصنيف واقعهم، وخلصت النقاشات الى تسمية "المعتقلين"، حتى انهم اخذوا يسحبون هذه التسمية على اللجان والمجلات، اللجنة الاعتقالية، والبيان الاعتقالي، وهنا المقصود توصيف واقع حال.
لذلك فإنني وعلى هامش ندوة لمناسبة توقيع ثلاثة كتب انتجت في الاعتقال وحوله، بادرت اليها وزارة الثقافة بالتعاون مع الكلية العصرية الجامعية ، اقترحت الكف عن استعمال تسمية "أدب السجون"، واستبدال ذلك بـ "أدب المعتقلات"، أو "أدب الاعتقال" أو "نتاجات المعتقلين الفلسطينيين" وهكذا. فالقصيدة او الخاطرة تتكوّن جنيناً في ذهن الكاتب عندما يطرقون باب بيته بهدف اعتقاله، او عندما يزجون به في سيارة عسكرية، أو خلال التحقيق، أو في مرحلة انتظار المحاكمة، او بعد اصدار الحكم. وقد يكتب المعتقل قصيدة او بحثاً خلال الاعتقال الاداري وهكذا.. انها (اذن حالة اعتقال في اعتقال)، وبالتالي فإن التسمية من المفروض انه تكون دقيقة في التوصيف.
وأخيراً ان تناول التسمية ليس رياضة فكرية او تلاعباً في الكلمات او انسياقاً وراء شكليات، لأن التسمية وأية تسمية من المفروض ان تكون دلالاتها ومؤشراتها معبرة عن واقع الحال بشكل دقيق. من هنا اقترح على وزارة الثقافة تسمية مشروعها الخاص بإصدار كتب بأقلام معتقلين أو محررين، بـ "أدب الاعتقال أو أدب المعتقلين"، وربما يمكن تسمية ذلك بـ "ثقافة أو ابداعات انتصرت على القيد"، لكي نخرج من دائرة تسمية "السجن" وبشكل نهائي
لذلك فإن "ادارات المعتقلات" وفي كل المراحل قد فرضت حصاراً ثقافياً مشدداً على المعتقلين، وتحكمت في حركة الرسالة والكتاب، بل ان تثبيت القلم والورقة والكتاب كحق طبيعي للمعتقل، تطلب اضرابات مفتوحة عن الطعام، والأمر ذاته انسحب على المذياع والتلفاز وكل المكتسبات الأخرى.
وفي مقابل سياسة التقريب من الموت، اجترح المعتقل الفلسطيني توجهاً نقيضا ، من خلال استراتيجية التقريب من الحياة"، حيث ناضل بكل الأدوات الممكنة في الاعتقال، من أجل ان يظل قريباً من الحياة. ولأن الثقافة والكتابة تشكل احد شرايين الحياة الروحية، فقد تبارى المعتقلون لاسيما في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في القراءة والكتابة والتثقيف الذاتي والجماعي، بل إن "ادارات المعتقلات" اعترفت في اكثر من مناسبة وأمام ممثلي المعتقلين، بأن المعتقلات تحولت فعلياً الى مدارس وجامعات.
اذن حينما يكتب الانسان المعتقل قصيدة او قصة او عملاً بحثياً او واجباً جامعياً، في اطار متطلبات اكاديمية، فإنه يمارس الحياة ويؤكد انسانيته، ويشعر انه يتنسم انفاس الحرية، حتى وهو يرسف في الاغلال، انسجاما مع مقولة فلسفية مفادها أن "الحرية هي معرفة الضرورة".
وقد مرت عملية الكتابة والابداع في مراحل، ولها مواصفات وخصائص. وأنا شخصيا تناولت هذه التجربة في اكثر من ثماني دراسات متكاملة، اضافة الى ما كتبه عدد من الكتاب والنقاد، لكن حصيلة ما كتب ما زالت محدودة ومبعثرة، مقارنة مع زخم التجربة وغزارة النتاجات الثقافية والابداعية وتعدد الاقلام والمواهب.
لكن الغريب في الأمر، كلما شاركت في ندوة او ورشة عمل او مؤتمر حول هذه التجربة اكتشفت من جديد تعدد التسميات والتصنيفات لما كتب وانتج في الاعتقال. فهناك من يصرّ على تسمية "أدب السجون"، وهناك من يفضل تسمية "أدب الاسرى"، وفريق ثالث اختار "أدب المعتقلات".
وفي رأيي، أن "ادب السجون" تسمية خاطئة مئة في المئة، فالمعتقل ليس سجيناً ارتكب مخالفة جنائية لا تتوافق مع القوانين الاسرائيلية، فسجن بسبب ذلك. ونحن ندرك ان السجان يصر على تسمية المعتقل الفلسطيني بالسجين ومخاطبته بذلك شفوياً وكتابياً، لتثبيت انه خارق للقوانين مثل اللص او المغتصب، متجنباً استعمال تسمية معتقل او اسير لدلالاتها السياسية والحقوقية والنضالية والاخلاقية.
اما بخصوص تسمية الاسير، فنحن نطلق هذه التسمية على اعتبار ما سيكون، او من باب طموحنا، متمنين ان تجبر المؤسسات الحقوقية الدولية سلطات الاحتلال على معاملة المعتقل الفلسطيني، في اطار مكانة وحقوق واعتبارات اسير الحرب، استناداً الى اتفاقية جنيف الرابعة. فهل واقع المعتقل الفلسطيني الآن واقع اسير ؟. هناك فرق بين الطموح والواقع المرير . فلماذا اذن نسوِّق للعالم هذه التسمية وكأننا وصلنا بأوضاع المعتقل الفلسطيني الى مكانة الاسير!! أليس في ذلك تجميل غير مقصود لوجه الاحتلال، وكأننا نزيف واقعاً، او نخطئ في توصيفه.
في بداية الثمانينيات شهد معتقل عسقلان نقاشا بين المعتقلين حول تصنيف واقعهم، وخلصت النقاشات الى تسمية "المعتقلين"، حتى انهم اخذوا يسحبون هذه التسمية على اللجان والمجلات، اللجنة الاعتقالية، والبيان الاعتقالي، وهنا المقصود توصيف واقع حال.
لذلك فإنني وعلى هامش ندوة لمناسبة توقيع ثلاثة كتب انتجت في الاعتقال وحوله، بادرت اليها وزارة الثقافة بالتعاون مع الكلية العصرية الجامعية ، اقترحت الكف عن استعمال تسمية "أدب السجون"، واستبدال ذلك بـ "أدب المعتقلات"، أو "أدب الاعتقال" أو "نتاجات المعتقلين الفلسطينيين" وهكذا. فالقصيدة او الخاطرة تتكوّن جنيناً في ذهن الكاتب عندما يطرقون باب بيته بهدف اعتقاله، او عندما يزجون به في سيارة عسكرية، أو خلال التحقيق، أو في مرحلة انتظار المحاكمة، او بعد اصدار الحكم. وقد يكتب المعتقل قصيدة او بحثاً خلال الاعتقال الاداري وهكذا.. انها (اذن حالة اعتقال في اعتقال)، وبالتالي فإن التسمية من المفروض انه تكون دقيقة في التوصيف.
وأخيراً ان تناول التسمية ليس رياضة فكرية او تلاعباً في الكلمات او انسياقاً وراء شكليات، لأن التسمية وأية تسمية من المفروض ان تكون دلالاتها ومؤشراتها معبرة عن واقع الحال بشكل دقيق. من هنا اقترح على وزارة الثقافة تسمية مشروعها الخاص بإصدار كتب بأقلام معتقلين أو محررين، بـ "أدب الاعتقال أو أدب المعتقلين"، وربما يمكن تسمية ذلك بـ "ثقافة أو ابداعات انتصرت على القيد"، لكي نخرج من دائرة تسمية "السجن" وبشكل نهائي